دكتور فضل ينشر مراجعاته ترشيد الجهاد في مصر والعالم الحلقة 7 لا يجوز الاعتداء على الأجانب في بلادهم حتى لو اعتدت حكوماتهم على أوطاننا الرسول والصحابة لم يرسلوا أحداً لتخريب أي بلد قبل فتحها

نشر في 25-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-11-2007 | 00:00
أجاز بعض الفقهاء قديماً قتال الأعداء حتى لو كان بينهم بعض الرهائن المسلمين, وهي المسألة المعروفة باسم «التترس»، وعلى هذه الفتوى استندت «القاعدة» في تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر رغم وجود عشرات الضحايا من المسلمين الذين تصادف وجودهم هناك.

وفي حلقة اليوم يكشف الفقيه السابق للتنظيم الدكتور فضل الخطأ الفادح في استخدام «مبدأ التترس» من دون إدراك من جانب «القاعدة» لشروطه التي لا تنطبق أبداً على «غزوة مانهاتن» أو أي من أخواتها في مدريد ولندن وغيرها.

ويصف فضل الهجوم على الأجانب في بلادهم بأنه «غدر» يدخل أصحابه في زمرة الفاسقين، مشدداً على أن تأشيرة الدخول التي يحصل عليها المسافر إلى البلاد الأجنبية هي «عقد أمان» لا يجوز نقضه، حتى لو دخل بتأشيرة مزورة.

ويبدي المؤلف دهشته من ممارسات بعض الإسلاميين في الغرب الذين يرتكبون جرائم مختلفة تحت دعوى أنهم في بلاد كفار، مؤكداً أنه لا يجوز الإفساد أو التخريب في أي دولة انتقاماً من سياستها المعادية للدول الإسلامية.

وفي ما يلي نص الحلقة السابعة من الكتاب:

ثامنا: نهي من دخل بلاد الأجانب بإذنهم عن الغدر بهم «وهي مسألة العمليات الجهادية من داخل دار الحرب»

كان جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للكفار غزوا من الخارج عند الاستطاعة، بمواجهة جيش المسلمين لجيش الكفار، ولم يرسلوا أحدًا من المسلمين للقيام بعمليات جهادية داخل بلاد فارس أو الروم أو مكة قبل فتحها فيما نعلمه، وما يفعله بعض المسلمين اليوم من القيام بهذه العمليات داخل بلاد الكفار نرى أنه لا يجوز شرعا لسببين:

وجود المسلمين بين الكفار جائز

• السبب الأول: انتشار المسلمين في معظم بلدان العالم في هذا الزمان (كما سبق في البند السابع) يجعل من المحتمل إصابة مسلمين بما يعم إتلافه كالتفجيرات، وقتل المسلم كبيرة من الموبقات والتبين واجب، والشبهة قائمة، فالكف عن ذلك واجب، وقد سبق هذا في البند السابع، وليست دار الحرب اليوم مختصة بالكفار كما كانت الحال قديما، بل المسلمون اليوم في كل هذه البلدان سواء من سكانها الأصليين أو مـن الوافـدين إليـها. ووجــود المسلمين بين الكفار أمر جائز كما قال تعالى: «... فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ...» (النساء:92)، وقال تعالى: «إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْولْدَان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» (النساء:98)، وقد يكون المسلمون بين الكفار مجهولين لنا غير متميزين كما قال تعالى: «... وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (الفتح:25).. ولا يجوز قتل المسلمين المختلطين بالكفار بدعوى «التترس» لأن قتل الترس المسلم ليس في إجازته نص وإنما هو اجتهاد ولا يجوز إلا للضرورة ضمن القاعدة العامة: «... وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُررْتُمْ إِلَيْهِ...» (الأنعام:119)، ولا ضرورة لذلك في هذه العمليات الحربية داخل بلاد الكفار، لأنها من العمليات الهجومية (جهاد الطلب) الذي لا ضرر على المسلمين من تركه أو تأجيله، ومن أجاز قتل الترس المسلم من الفقهاء إنما أجازه في جهاد الدفع وللضرورة عند الخوف على المسلمين إذا توقفوا عن قتل الترس المسلم قتلهم الكفار وقتلوه ولا يمكن للمسلمين قتال الكفار المهاجمين إلا بقتل من يحتمون به من المسلمين (الترس المسلم) جاز قتله في هذه الحال عملاً بقاعدة «يرتكب أخف الضررين» وليست هذا هي الحال في العمليات داخل بلاد الكفار، فلا يجوز الإقدام عليها لاحتمال سقوط قتلى من المسلمين المخالطين لهم.. وهناك فرق مهم بين هذه العمليات اليوم وبين ما أجازه بعض الفقهاء من قتل الترس المسلم، وهو أن الصورة التي أجازها الفقهاء هي صورة جيش للكفار وضع في مقدمته أسرى من المسلمين ليتحرج جيش المسلمين من قتلهم فيحتمي الكفار بهم كدروع بشرية لأن «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، أما ما يحدث اليوم فهو أن المسلمين المختلطين بالكفار في بلادهم ليسوا أسرى لديهم بل مواطنون مثلهم أو مقيمون لديهم، وليسوا مع جيش في حرب ليحتاطوا لأنفسهم بالفرار من ميدان القتال، بل إنهم يقتلون على حين غرة ومن دون سابق إنذار من جهة المهاجمين. فليست هذه هي الصورة التي أجاز فيها بعض الفقهاء قتل الترس المسلم، ومن أجازه منهم قيد ذلك بأن تكون هناك (ضرورة قطعية كلية) لأنه اجتهاد بإباحة دماء معصومة في مقابلة النص الشرعي المحرم لها، ولا بد لتجاوز النص من تحقق الضرورة والاضطرار المذكور في قوله تعالى «... وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...» (الأنعام:119) ومعنى «ضرورة» أي عند خوف الهلاك على جيش المسلمين أو دار الإسلام، ومعنى «قطعية» أي مؤكدة ليست مظنونة أو متوهمة، ومعنى «كلية» أي ليست خاصة بفرد أو طائفة من المسلمين بل بمجموعهم، يراجع في هذا كتاب «المستصفى ج1» لأبي حامد الغزالي، وكتاب «الإحكام في أصول الأحكام ج3» للآمدي، وهذا ليس هو الحال في تفجير الطائرات والقطارات المدنية والعمارات في بلاد الكفار والتي يخالط فيها المسلمون غيرهم، والتي لا ضرورة تلجئ إلى القيام بها. ومن أجل تعظيم دم المسلم وحرمته على المسلم. قال الإمام القرطبي رحمه الله: «أجمع العلماء على أن الإكراه لا يبيح لمسلم أن يقتل مسلمًا ولا أن يؤذيه بقطع أو ضرب، فكلاهما مسلم ولا يحل له أن يفدي نفسه بأذى أخيه المسلم وليصبر على ما نزل به» هذا حاصل كلامه في تفسيره لآية الإكراه رقم 106 من سورة النحل، وانظر كيف أباح الإكراه الكفر الظاهر ولم يبح قتل المسلم, كلاهما بإجماع العلماء، لأجل تعظيم حرمة المسلم، ومن هنا منع كثير من أهل العلم قتل الترس المسلم في صف الكفار إلا عند الضرورة التي قيدوها بالخوف المحقق على مجموع المسلمين من الاستئصال، وليس لمجرد الحاجة أو المصلحة، ومن العلماء من تشدد في ذلك كالإمام مالك رحمه الله.

حقيقة عقد الأمان عصمة الدم والمال

• السبب الثاني: أن من دخل بلاد الكفار بأمانهم لا يحل له أن يخونهم في شيء، والتأشيرة اليوم هي إذن دخول وهي بلا شك عقد أمان منهم لمن أذنوا له بدخول بلادهم لعمل أو تجارة أو دراسة أو سياحة ونحوها، لأن حقيقة عقد الأمان عصمة الدم والمال، والمسلم إذا دخل بلاد الكفار اليوم فإنهم يحترمون دمه وماله وإذا اعتدى عليه أحد يهتمون بذلك ويحاكمون من اعتدى عليه ويعوضونه، فليس هو مهدرًا عندهم، فيجب على هذا المسلم الوفاء لهم لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...» (المائدة:1)، حتى قال محمد بن الحسن الشيباني في كتابه «السير الكبير» «إن المسلم إذا زور خطهم ودخل به بلاد الكفار وصدقوه، وجب عليه الوفاء لهم» هذا حاصل كلامه، (وتزوير خطهم) هو ما يسمى اليوم بالتأشيرة المزورة، ومحمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة ومن تلاميذ الإمام مالك رحمهم الله، والكفار ما أعطوه الأمان وسمحوا له بدخول بلادهم لكي يخونهم بل على أن يؤمنهم فيجب عليه ذلك وإن لم يشترطوه عليه صراحة لأنه مفهوم، وتنص القاعدة الفقهية على أن «المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا» فإن خانهم فقد ارتكب كبيرة يفسق بها للوعيد الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ظلم معاهدًا أو ذميًا لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان» متفق عليه.

ومن خيانتهم والغدر بهم الاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتفجير طائراتهم وقطاراتهم وعمائرهم وفنادقهم ونحو ذلك، ولا يدخل هذا في حديث (الحرب خدعة) متفق عليه، لأن خداع العدو لا يحل إن كان غدرًا، وهذا غدر ونقض لعقد الأمان (التأشيرة) فلا يجوز، وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» الحديث متفق عليه. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات المنافق أنه «إذا عاهد غدر» متفق عليه، وأنه «إذا اؤتمن خان» متفق عليه. وفي هذا قال ابن قدامة رحمه الله في أبواب الجهاد من كتابه «المغني ج9» «لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم لأن خيانتهم محرمة، ولا يصلح في دين الله الغدر» وقال في موضع آخر «الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم» أ.هـ. وكلامه هذا لا نعلم فيه خلافًا بين العلماء.

الغدر نفاق ومن الكبائر

وبهذا تعلم أن ما يقوم به بعض المسلمين في البلاد الأجنبية اليوم من التفجيرات والقتل وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، والاحتيال للاستيلاء على أموالهم، والاحتيال على شركات التأمين، والهروب من المساكن قبل دفع الإيجارات وتسديد فواتير التلفون وغيره، بحجة أنهم كفار، تعلم أن هذا كله حرام ولا يجوز شرعًا وهو غدر، والغدر نفاق ومن الكبائر ومرتكب الكبيرة إن مات بلا توبة يخشى عليه من عذاب النار يوم القيامة إلا إن شاء الله تعالى أن يغفر له، وهذا من علم الغيب قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ..» (النساء:116).

ونحن نرى أن هذا كله حرام وننهى جميع المسلمين عنه، ويجب أن يتنزه المسلم عن هذه المحرمات من الغدر والفتك والخيانة.. وقديمًا أسلم كثير من الكفار بعدما خالطوا المسلمين ورأوا ما هم عليه من مكارم الأخلاق من العدل والإنصاف والوفاء وعفة اليد واللسان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان عن أنس رضي الله عنه.

«نهانا الله عن العدوان في كل شؤوننا»

وإذا كانت بعض الدول الكافرة تعتدي على بعض بلاد المسلمين وتقتل بلا تمييز، فإن هذا لا يبيح لنا الرد بالمثل، لأن الله سبحانه قد أخبرنا بأن الكفار دأبهم العدوان في قوله تعالى: «لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ» (التوبة:10)، ومـع ذلـك نهانـا سبحانه عن العدوان في كل شؤوننا ومنها حال الجهاد والقتال فقال تعالى «وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ «(البقرة:190)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» رواه الترمذي وأبو دواد وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالعدوان والخيانة ليسا من الأمور التي تجوز المعاملة فيها بالمثل، بل إن هذه النصوص الصريحة تمنع من ذلك. ومن العدوان المنهي عنه مع الأعداء: قتل من لا يجوز قتله منهم والغدر ونقض العهود وتخريب العمران لغير ضرورة الجهاد، ولهذا فقد سبق القول: إن القاعدة في معاملة أهل الحرب هي المعاملة بالمثل إلا في ما لا يجوز شرعًا، فالمعاملة بالمثل ليست على إطلاقها بلا ضوابط. وقد حذرنا الله من متابعة سبيلهم في العدوان وغيره فقال سبحانه «وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» (الأنعام:55)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم» قالوا: اليهود والنصارى؟ قال صلى الله عليه وسلم «فمن؟» متفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه، يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من متابعتهم في المعاصي مع إخباره لنا أن هذا كائن في هذه الأمة، ويجب أن يتنزه المسلمون عن الحرب اللاأخلاقية وإن فعلها العدو. وإنما نهى الله عن العدوان حتى في حال الجهاد والقتال (مع ما فيه من إتلاف النفوس والأموال) وذلك من أجل إخراج حظ النفس من العمل ليكون خالصًا لوجه الله تعالى: فيكون جهاده لله لا للانتقام الشخصي ولا للسلب والنهب والتفاخر وغيرها من حظوظ النفس المذكورة في حديث أبي موسى رضي الله عنه: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل للمغنم وليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من قاتل لتكون كلمة الله هي العـليا فهو في سبيل الله» الحديث متفق عليه. وقيد الله هذا كله بعدم العدوان بقوله تعالى «وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ..» (البقرة:190).

قتل المدنيين في بلاد الكفار

ويرى البعض جواز قتل المدنيين (غير المقاتلين من الكفار) في بلاد الكفار لجواز قتل الترس الكافـر (الدروع البشرية) إذا دعت الحاجة إلى ذلك مستدلاً بحديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه وفيه سأل أنهم يُبيتون (أي يقاتلون في الليل) المشركين فيصيبون من ذراريهم (نسائهم وعيالهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم منهم» الحديث متفق عليه، وهذا فهم خطأ، فمن دخل بلادهم بأمانهم لا يجوز له الغدر ولا يجوز له قتل العسكريين ولا المدنيين منهم، وهو لا يمكنه القطع بكفر هؤلاء المدنيين كلهم، ولو فرضنا أن المسلم ليس بينه وبينهم عهد ولا أمان، ولو فرضنا أنه يقطع بكفر المدنيين منهم، فقتل هؤلاء المدنيين في الطائرات والقطارات المدنية وفي العمائر والفنادق ليست هي الصورة المشروعة لجواز قتل الترس الكافر، لأن هذه الأماكن ليست منشآت عسكرية يقتل فيها المدنيون الكفار بالتبعية كما يبيحه التترس، وإنما هذه منشآت مدنية تفجيرها يعني تعمد قتل المدنيين مباشرة، وليس هذا من التترس في شيء، فلا يجوز تعمد قتل هؤلاء، ويكفيك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ..» (المائدة:1)، ويكفيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» فمن دخل بلاد الكفار بإذنهم (تأشيرتهم ولو من المطار) لا يحل له أبدا أن يغدر بهم ولا أن يعتدي عليهم بأي شكل فإن خالف في هذا فقد ارتكب كبيرة يفسق بها. ولا يجوز الاحتجاج في هذا المقام بقوله تعالى: «... وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ..»(التوبة:120)، لأن إغاظة الأعداء وإن كانت مطلوبة إلا أنها مقيدة بعدم الغدر والإثم والعدوان، وقد سبق أن النهي الخاص مقدم على الإذن العام في البند السادس. ويستوي في ذلك حالتا الحرب والسلم، فالمسلم منهي عن الغدر والإثم والعدوان في كل أحواله، بل ينبغي أن يكون المجاهد في سبيل الله من أحرص الناس على البعد عن هذه المعاصي لأن اقترافها من أسباب الخذلان والهزيمة. وقد روى البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه عن أبي الدرداء قوله «أيها الناس عمل «صالح» قبل الغزوة، فإنما تقاتلون بأعمالكم» أ.هـ. وعند خروج سعد بن أبي وقاص لغزو بلاد فارس أوصاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (أما بعد، فإني أوصيك ومن معك بتقوى الله - إلى أن قال - ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا، فرب قوم قد سُلط عليهم من هم شر منهم، كما سلط الله كفار المجوس على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله «فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولاً») أورده ابن عبد ربه الأندلسي في كتاب الحروب في كتابه (العقد الفريد).

وفي آخر هذا البند يلزم التنبيه على أن القول «بأن من دخل بلاد الكفار بإذنهم ولو بتأشيرة مزورة هو عقد أمان شرعي صحيح يجب على المسلم احترامه كما فصلته» ليس هذا قولاجديدا لي، وإنما قد ذكرته من قبل منذ نحو أربعة عشر عامًا في كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف) الذي كتبته عام 1413هـ/1993م.

back to top