وهم السلطة...وخطيئة الوشاية!
ما يدور على الساحة الفلسطينية اليوم من صراع مخيف في مدياته لم يعد مقبولاً بكل المقاييس النضالية؛ لا من «حماس» التي تكاد تسقط في وهم السلطة تحت حراب الاحتلال، ولا من «فتح» الساكتة أو القابلة أمام تفريط جماعة الرئيس ببندقيتها مرة وببيعها في مزاد أولمرت مرة ثانية.
يتجه الوضع الفلسطيني الداخلي إلى مزيد من التفاقم بما يشبه القطيعة التامة بين الفصيلين الرئيسين اللذين يمسكان، إلى حد ما مناصفة، بما يسميانه السلطة أو «الشرعية» الفلسطينية! بالمقابل، فإن المطلع على أوضاع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وهما الجزءان اللذان يتناصف الفريقان على «التصرف» بهما كما يظنان، يعرف تماماً أن ثمن هذا «التصرف» أو قيمته قرار إسرائيلي بمنع وصول الموارد... وصولاً إلى قرار بالاجتياح وإعادة الاحتلال.لست هنا بصدد الحكم على أحقية كل طرف في منازعته للآخر على مدى «شرعيته» الانتخابية أو الدستورية أو «الميثاقية»، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المواثيق العديدة التي يفترض أنها جمعتهما أكثر من مرة حول طاولة عمل واحدة! لكنني، وأظن أن كثيرين معي من جمهور العامة من الفلسطينيين، نستغرب، بل نكاد نصل إلى درجة الاستنكار، أمرين آخرين؛ أحدهما من جماعة «حماس»، والثاني من جماعة سلطة الرئيس، ولا أقول «فتح» لأن «فتح» التي نعرفها يبدو أنها مختطفة أو مغيبة حتى إشعار آخر. فمن «حماس» نستغرب من ذلك الاهتمام غير العادي بموضوعة السلطة، التي يفترض أن تكون بالنسبة لها باعتبارها حركة مقاومة طرحت ولاتزال كما يفترض مشروعاً للعمل في الداخل الفلسطيني يتناقض تماماً مع مقولة السلطة أصلاً، وهو القائم والمرتكز الى اتفاقيات «أوسلو» وتوابعها المرفوضة كلياً مرة أخرى من قبل «حماس» مما يجعلها في موضع «شبهة» الصراع على امتيازات السلطة، مهما تحدثت بغير ذلك! والتعجب هنا ليس بغرض التشكيك بقدر ما هو بسبب تناقض المقدمات مع النتائج، كما يقول المناطقة! وأما من جماعة سلطة الرئيس، فتعجب من ذلك «الاندلاق» غير المبرر والمستغرب جداً إلى درجة الاستنكار فيما يخص ردة فعلها على أحداث غزة، لتصل في بعض مراحلها إلى درجة، ليس فقط الافتئات على شريك الأمس في حكومة الوحدة الوطنية، بل الوشاية به لدى قوات العدو! أولاً، الافتئات عليه بأنه يحتضن «القاعدة»! ولو افترضنا ذلك من باب أن فرض المحال ليس محالاً، فكيف يصل الأمر بتلك الجماعة. وثانيا، أن تذهب في اختلافها مع شريك الوطن، كحد أدنى إن لم يعد شريك «السلطة»، إلى حد التبليغ عنه لدى مخفر قوات الاحتلال؟! إنه جرم لا يغتفر لأحد مهما كانت مبرراته، ليس فقط لأنه خط أحمر أخطر من خط تحريم التقاتل الداخلي، بل لأنه يجعل العودة عن الخطأ الأول شبه مستحيلة! وإذا ما أضفنا إلى ذلك قرار دعوة المطلوبين من «كتائب الاقصى» لتسليم أسلحتهم حتى يأمنوا الملاحقة الصهيونية! فإن الأمر يصبح أخطر مدى، لأن ذلك يعني تسليم بندقية «فتح الثورة» لأولمرت في صفقة أقل ما يقال عنها إنها تتم في جنح الظلام لم يتجرأ عليها أحد في تاريخ النضال الفلسطيني، وتضع صاحبها في دائرة «المشتبه فيه»!خلاصة القول إن ما يدور على الساحة الفلسطينية اليوم من صراع مخيف في مدياته لم يعد مقبولاً بكل المقاييس النضالية؛ لا من «حماس» التي تكاد تسقط في وهم السلطة تحت حراب الاحتلال، ولا من «فتح» الساكتة أو القابلة أمام تفريط جماعة الرئيس ببندقيتها مرة وببيعها في مزاد أولمرت مرة ثانية، واختطاف قرارها ونهجها النضالي مرة ثالثة، الذي لا يمكن أن يقبل الاستقواء بالعدو على شريك الوطن ولا الوشاية به من باب أولى!ما يجعل الأمر في غاية الخطورة، هو أن هذا النوع من التصارع يحصل حالياً في أكثر من ساحة عربية وإسلامية، وهو أمر لم يعد السكوت عنه مقبولاً من قبل القوى غير المنخرطة فيه، لا بل إن المطلوب بات أقرب ما يكون إلى ضرورة التدخل العاجل واللجوء إلى»أسلحة» ردع وطنية ومحلية حتى إن كانت قاسية بعض الشيء، إلا أنها ستكون بالتأكيد أقل وجعاً وإيلاما من سكين العدو الخارجي الذي بات يحفر عميقاً في خاصرة الوطن! الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني