إلى أين؟!
يشغل بالي أمران مهمان من أمور الشأن العام. ولا أقصد الشأن الكويتي فقط، وإنما الشأن الخليجي، وربما يمتد الأمر إلى كل منطقتنا العربية.
الأول؛ هو هذا الكلام عن امتلاك دول الخليج العربية الطاقة النووية وإنشاء المفاعلات النووية والتحريض الواضح للدول العربية لامتلاكها، والمقصود بهذا بالطبع مواجهة إيران والاستعداد لتملك سلاح نووي تمهيداً لمواجهتها لو امتلكت مثل هذا السلاح. موقف الغرب بالذات من هذا الموضوع ينم عن لامبالاة بما يمكن أن يؤدي إليه هذا التوجه. في السابق كان الحديث عن إيقاف مشروع إيران بحجة أن امتلاكها للسلاح النووي فيه خطورة على المنطقة، وربما على العالم، وبالذات على اسرائيل. أما الآن فلامانع من أن تمتلك الدول العربية الطاقة النووية، وصار الحديث عن السلاح العربي النووي أكثر وضوحا وكأنهم يقولون: لندعهم يصرفون دم قلبهم على امتلاك هذا السلاح مادمنا نحن المستفيدين من برامج الإنشاء والتطوير، ثم ليتقاتلوا وينهوا بعضهم بعضاً، فقد سئمنا من العرب والمسلمين وسيطرتهم على احتياطيات النفط وانتشار التطرف منها وإقلاق الدول المتقدمة. فقنبلة ذرية من إيران وقنبلة مضادة من الخليج تريح العالم من الطرفين، وتنتهي عندها دول لاداعي لبقائها. خطة خبيثة ننجر لها بكل غباء، واقصد كل دول المنطقة بما فيها إيران، ولا نجد صوتا عاقلا يوقف الانفجار القادم. الموضوع الثاني، أو الانفجار الثاني، الذي لايقل خطورة عن سابقه، هو هذا الحجم الهائل من الاستثمار العقاري. بدأت ناطحات السحاب والمشروعات الضخمة في دبي، ثم أخذت العدوى تنتقل إلى ابو ظبي، فالدوحة، فالكويت والبحرين ومصر، ثم بقية الإمارات المتحدة في الشارقة وعجمان وغيرهما. مشروعات وناطحات من يراها لابد أن يتساءل لمن كل هذا؟ وبأي أموال بنيت؟ ومن المستفيد؟ والسؤال الأهم: ما مردودها على الاقتصاد العام؟ وكيف يمكن ان ترفده هذه المباني وتحقق له النمو والنماء؟ نحن نبني عمارات وليس مصانع أو أي مشروعات تنموية. صحيح أن هذا أكثر ما نفهمه في عالم الاقتصاد، والمستثمر الخليجي يفاخر بأنه يفهم في العقار أكثر من غيره، ولكن ثم ماذا؟ ما العمل بعد استكمال كل المشروعات العقارية وبعد أن يتم تداول ملكياتها وتبييض أموالها؟ من سيبقى لسكناها ومن سيدفع نفقات ادارتها ومن سيسدد ديونها للبنوك المحلية؟ هل المنطقة بحاجة الى كل ما نراه من عمار؟ وماذا عن المستقبل بعد توظيف كل الأموال في استثمار واحد الله اعلم نتائجه؟ وماذا أعددنا لأولادنا وأجيالنا القادمة؟ اعتقد أننا أمام مناخ مزلزل أكبر وأقوى من هزة سوق الأوراق المالية عام 1982. يقول خبير استثماري أجنبي إن المشكلة في المستثمر الخليجي أنه لايريد أن يكون خارج القطيع. والمستثمرون الخليجيون مدعومون بحكوماتهم ينسخون تجارب بعضهم ومادامت دبي قد افتتحت خط العمران والمشروعات العقارية الكبرى فلماذا لا تكون دول الخليج الاخرى لا تجرب المجال نفسه؟ إنها فلسفة القطيع، وهذه المرة التابع والمتبوع نهايتهما قاتلة. للأسف هذه المنطقة لديها دخول وموارد تمكنها من بناء مستقبل أفضل بعد أن يشح النفط، ولكنها تعبث بدخولها وتبعثرها في مشروعات شكلية تزين الشوارع، وتباهي بها أمام العالم ولا تنظر إلى أبعد من أنفها، وما هي فاعلة لمستقبلها ومستقبل شعوبها. وبدلاً من الاعداد للمستقبل تختصر المهمة في بناء مفاعلات نووية وفي بناء ناطحات السحاب. أليس واضحا أننا نجر الى المذبح؟!