تجارة جحا بالبيض!
لم يـزعج استئناف لعبة الصواريخ الاستعراضية حكومة إيهود أولمرت، بل كانت تنتظر هذا فهي تعيش أزمة خانقة، على خلفية مسلسلات الفساد التي ضربت أركانها، وعلى خلفية تحقيقات لجنة «فينوغراد» المتعلقة بحرب الصيف الماضي، وهي كانت تنتظر الفرصة التي وفرها لها استئناف لعبة هذه الصواريخ المضحكة المبكية، فبادرت إلى كل هذا العنف الأهوج الذي ضرب غزة ولم يتوقف.غريب وغير مفهوم هذا الذي يجري في غزة، فبعد استدراج رد الفعل الإسرائيلي من خلال استئناف لعبة الصواريخ الكرتونية التي لم تقتل، وبالسكتة القلبية، إلا امرأة مسنة من سكان مستوطنة «سديروت» الإسرائيلية... هاهي الحكومة الفلسطينية، حكومة الوحدة الوطنية، تتقدم بطلب استعطاف واسترحام لحكومة إيهود أولمرت لإيقاف الهجمات الإسرائيلية المتواصلة التي أوقعت ضحايا كثيرين وخسائر هائلة في «القطاع» ومخيماته. كانت الحكومة الإسرائيلية سعيدة ومكتفية بمتابعة الاقتتال الداخلي الذي أوقع 82 قتيلاً في الجولة الأخيرة بين الحركتين الشريكتين في حكــومة الوحدة الوطنية، «فتح» و «حماس»، ولكن فجأة وبينما «الجهاد» الأخوي في ذروته، استؤنفت لعبة الصواريخ الاستعراضية المكلفة جداً، بالنسبة للفلسطينيين بالطبع، فانفتحت نيران جهنم على قطاع غزة من الجو والبر والبحر وكانت الخسائر هذه المرة كما في كل مرة فادحة وباهظة.
لم يـزعج استئناف لعبة الصواريخ الاستعراضية هذه حكومة إيهود أولمرت، بل كانت تنتظر هذا فهي تعيش أزمة خانقة، على خلفية مسلسلات الفساد التي ضربت أركانها، وعلى خلفية تحقيقات لجنة «فينوغراد» المتعلقة بحرب الصيف الماضي، وهي كانت تنتظر الفرصة التي وفرها لها استئناف لعبة هذه الصواريخ المضحكة المبكية، فبادرت الى كل هذا العنف الأهوج الذي ضرب غزة ولم يتوقف، رغم كل ما وصل الحكومة الإسرائيلية من تضرعات ومناشدات. لا أحد لديه العلم اليقين بالنسبة لسبب لجوء حركة «حماس» مجدداً الى لعبة الصواريخ الاستعراضية بينما كان الاقتتال، القذر فعلاً، بينها وبين حركة «فتح» محتدما وعلى أشده، وبينما كان الفلسطينيون في قطاع غزة كله يعانون كثيراً بسبب هذا الاقتتال ومن جرائه. وهنا فإن هناك من يقول إن خالد مشعل هو صاحب هذا القرار، وأنه لجأ الى ما لجأ إليه أولاً لإضعاف رئيس وزراء «حكومة الوحدة الوطنية» إسماعيل هنية الذي بدأ بعد تشكيل هذه الحكومة يأخذ حجماً أكبر من حجمه، وثانياً لتشويه صورة الحركة الفتحاوية وإظهارها على أنها تنخرط مع الإسرائيليين في جبهة واحدة ضد حركة المقاومة الإسلامية. لقد كان ردّ الفعل الإسرائيلي المتواصل أكثر كثيراً مما كان متوقعاً، ولهذا فإن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، القائد الصاعد في حركة «حماس» على حساب خالد مشعل، لم تجد ما تفعله تحت ضغط الشارع الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل الألاعيب «الجهادية» العبثية سوى التقدم من حكومة إيهود أولمرت باستعطاف ذليل اللهجة يحمل تواقيع الفصائل كلها بإيقاف الهجوم الإسرائيلي المستمر مقابل تعهد، و«يشهد الله على هذا» ، بإيقاف لعبة إطلاق الصواريخ بصورة نهائية. إن هذا كـ «تجارة جحا بالبيض»! فلماذا المراجل الفارغة المكلفة وغير المجدية مادام أن النتيجة معروفة سلفاً ..؟! لقد كانت الحكومة الإسرائيلية مكتفية بحرب الشوارع في مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة وكانت تتابعها و«تتفرج» عليها بسعادة غامرة، لكن استئناف لعبة صواريخ «الجهاد» العبثي، التي أطلق منها حتى الآن الألوف، ولم تقتل إلا عجوزاً شمطاء من سكان «سديروت» وبالسكتة القلبية، قد وفّر المبرر الذي كان ينتظره إيهود أولمرت على أحر من الجمر، والمصيبة أن أصحاب هذه الصواريخ قد وقعوا في سوء الحسابات، لذلك فإنهم الآن يستعطفون الإسرائيليين استعطافاً مذلاً لإيقاف هجومهم مقابل إيقاف صواريخهم وهذه هي: «تجارة جحا بالبيض». كاتب وسياسي أردني