نعم، هناك من التجار ممن يريدون دخول البرلمان من لا يعرف الفرق بين «الكوتا» و«الكوسا»، ولكن منهم كذلك مَن لا يمكن أن يقبل أن تترك هذه المؤسسة التشريعية للآخرين ممن لا يعرف بعضهم كيف يخطط ميزانية بيته!بداية، وقبل الدخول في موضوع (هل يشارك التجار يا سعد... وكيف؟)، سأسجل احتجاجاً من هذه الزاوية على جريدة «الجريدة». نعم هي بعينها «الجريدة» التي تحتضن هذه الزاوية، وتنشر هذا المقال اليوم، والذي لا أشك بأنه سينشر دون تردد كما تعودت دائماً.
على هامش قانون التجمعات الذي تقدمت به الحكومة كقانون ضرورة ثم تراجعت فسحبته، أقام اتحاد الطلبة بالتعاون مع اتحاد طلبة التطبيقي، اعتصاماً في ساحة الإرادة لرفض هذا القانون، شارك فيه بعض النواب والشخصيات العامة والناشطين من الطلاب. كتبت جريدة «الجريدة» في تغطيتها للحدث في 14 أبريل (اتحاد الطلبة ينظم اعتصاماً فاشلاً في ساحة الإرادة احتجاجاً على قانون التجمعات بمشاركة نواب سابقين ومرشحين)!
واضح جداً ومفهوم بالنسبة لي ألا تشارك القوى الليبرالية في هذا الاعتصام باعتبار أننا في فترة انتخابات، وقد يجيّر نجاح الفعالية لاتحاد الطلبة المحسوب على الإخوان المسلمين وبالتالي على الحركة الدستورية، لكنني أعجز عن أن أفهم لماذا تصف «الجريدة» الاعتصام بالفاشل رغم علمي بأنها تقف دون تردد ضد قانون التجمعات؟ ورغم يقيني بأن مجمل القوى الليبرالية الفاعلة الصادقة لا يمكن إلا أن تقف مع كل مَن يرفض التعدي على الدستور وما فيه من مواد الحريات العامة، حتى ولو كان خصماً ومنافساً انتخابياً!
برأيي أنه إن كانت «الجريدة» تريد أن تقول إن حضور الاعتصام لم يكن كبيراً، فقد كان بإمكانها أن تستخدم وصفاً أكثر مهنية من كلمة (الفاشل). كان بإمكانها مثلاً أن تقول إن الحضور كان ضعيفاً.
أعزائي أسرة التحرير في جريدتي التي أحب كثيراً، على الرغم من اختلافي الواضح، ونقدي المستمر للإخوان، فإنني أجدني ومن باب الإنصاف ملزماً هذه المرة بأن أقول: شكراً لاتحادي طلبة الجامعة والتطبيقي على تنظيم هذا الاعتصام للتصدي لقانون غير دستوري كقانون التجمعات.
أما موضوع اليوم الذي سأضطر (لكبسه) بسبب التهام السطور أعلاه لمجمل المساحة، فهو حول ما كتبه الزميل سعد العجمي منذ أيام. قال سعد (لاحظنا في الآونة الأخيرة أن العملية الديموقراطية لدينا تحولت من عمل سياسي بحت، إلى عمل تجاري خالص، وهو ما يفسر اندفاع كثير من رجال أعمال وأصحاب ملايين، أغلبهم لا يعرف الفرق بين «الكوتا» و«الكوسا» لخوض الانتخابات والاستماتة في محاولة الوصول إلى الكرسي الأخضر بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة).
أتفق وأختلف مع سعد. أتفق من جهة أنه صحيح أن هناك من أصحاب الملايين من يريدون الدخول إلى المجلس بغرض الانتفاع المالي، واستخدام عضوية البرلمان كأداة يستخدمونها في صفقاتهم الاقتصادية، ولكن هذا لا يمثل إلا جانباً واحداً، وربما صغيراً، من الصورة، ففي المقابل من حق فئة رجال الأعمال وأصحاب الملايين على حد تعبير الزميل سعد أن يكون لها وجودها المؤثر في البرلمان.
إن البرلمان ليس مجرد ديوانية يناطح فيها النواب الحكومة على قضايا، في غالبها لا تعني هؤلاء التجار كثيراً، كإسقاط القروض وزيادة الخمسين ديناراً وإزالة الدواوين. لا يا زميلي العزيز، إن في البرلمان تشرع كذلك، بل قبل ذلك، قوانين مهمة ومؤثرة على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية، والتي تمس صميم عمل ونشاط هذه الفئة، وتمس حاضر مستقبل البلاد بشكل عام.
نعم، هناك من التجار ممن يريدون دخول البرلمان من لا يعرف الفرق بين «الكوتا» و«الكوسا»، ولكن منهم كذلك مَن لا يمكن أن يقبل أن تترك هذه المؤسسة التشريعية للآخرين ممن لا يعرف بعضهم كيف يخطط ميزانية بيته!