عتاب على تلفزيون الكويت!!

نشر في 16-07-2007
آخر تحديث 16-07-2007 | 00:00
 د. عمار علي حسن

علمت أن كثيرا من الباحثين والكتاب والحقوقيين المصريين المستقلين قد غيبوا عن شاشة الكويت، وأصبح متاحاً لهؤلاء أن يقولوا في التلفزيون المصري عن الحكومة المصرية ما يعتبره تلفزيون الكويت خروجاً أو أمراً مرفوضاً.

ما فعله معي تلفزيون الكويت يثير الغرابة والعجب، فذات مرة شعرت أن بعض العاملين فيه ملكيون أكثر من الملك، لأنهم منعوا ما يسمح به من يعنيه الأمر، وأرادوا تعديل ما لم يطلب تغييره من يمسه الموضوع مساً مباشراً، وهو ما يتناقض كثيراً مع مسار الإعلام الكويتي، الذي ينزع كثيراً إلى الحرية، وما يتنافى مع التجربة السياسية الكويتية، التي تفسح المجال للرأي والرأي الآخر.

والموضوع ببساطة أنني كنت ضيفا من القاهرة على برنامج مسجل في القناة الفضائية الكويتية وقت تعديل المادة 76 من الدستور المصري والخاصة بانتخاب الرئيس من بين متنافسين بدلا من طريقة الاستفتاء التي كانت متبعة من قبل، وكنت مطالبا بأن أجيب عن أسئلة حول هذا الموضوع، الذي كان لي فيه رأي كتبته في أكثر من مقال داخل مصر وخارجها، وقلته في إذاعة مصر وتلفزيونها الرسمي، وعبر فضائيات عربية عدة. ومن الطبيعي أن تكون إجابتي متضمنة رأيي المعلن في الموضوع، الذي لم يكن منبت الصلة عن الجدل الذي كان يدور في مصر وقتها، أو متناقضاً مع رأي الأغلبية من المثقفين والكتاب والساسة، وفيهم رجال منضوون تحت لواء الحزب الوطني الحاكم، وهو الرأي الذي كان يصف الشروط التي وضعت لخوض انتخابات الرئاسة بأنها «تعجيزية»، وهو ما أثبتته التجربة، بدليل تعديل هذه المادة مرة أخرى، ضمن تعديلات أوسع شملت أربعا وثلاثين مادة من الدستور.

وما إن خرجت من فمي كلمة «تعجيزية» حتى انبرى لي صوت نسائي من غرفة التحكم في الكويت، نبراته ومخارجه ولكنته ولهجته غير كويتية على الأرجح، يقول لي : «نحن مع الرئيس مبارك ولسنا ضده، ونحن تلفزيون الكويت ولسنا قناة (الجزيرة)، فأرجو أن يكون الرأي في هذا الحدود». ولجمتني العبارة برهة، ثم قلت لصاحبتها: «لكنني وصفت هذا الوصف بالأمس في التلفزيون المصري الرسمي، وقلت ما زاد على ذلك بكثير في ضوء النقد البناء، ولا أتصور ألا يسمح في تلفزيون الكويت بمثل هذا الطور من النقد للسياسات المصرية، بينما يسمح به التلفزيون المصري، كما أنني معارض للصورة التي خرجت بها التعديلات الدستورية، وهذا رأيي».

فردت السيدة، التي لا أعرف اسمها، بكل ثبات وثقة: «العلاقات المصرية الكويتية ممتازة، وأمير الكويت صديق للرئيس المصري، ولا نريد أن تتوتر هذه العلاقات بسبب برنامج». فكتمت الضحك، وحلت برأسي كل قراءاتي في الصحف الكويتية، وارتسم أمام ناظري هامش الحرية العريض المتاح للكتاب والمثقفين هناك، وتذكرت ما يجري تحت قبة «مجلس الأمة»، وكان علي أن أختار بين مغادرة الاستديو أو الاستمرار في التسجيل مع التمسك بوجهة نظري، واخترت الثانية، رغبة مني في عدم التسبب في أي إحراج للمعد المصري الذي رشح اسمي من القاهرة، وهو صحافي متميز، وإنسان نبيل.

وبعد جدل لم يطل كثيراً، أعدنا التسجيل، ولم أحد عن رأيي، وإن كنت قد استبدلت كلمة «تعجيزية» بكلمة تؤدي المعنى نفسه هي «غاية في الصعوبة» أو «قاسية» على ما أذكر، حتى يمر الموقف بسلام. لكنني في سورة غضبي المكتوم، صدمت كوب الماء الموضوع أمامي فتهشم وجرح إصبعي، فأتاني صوت شابين كويتيين في غرفة التحكم ليخففا عني، وبدا من كلامهما أنهما متعاطفان معي، ومع موقفي، ولا يريان ما تراه السيدة.

وكنت متفهماً لما يدور في خلد هذين الشابين، إذ لم تكن المرة الأولى التي أحل فيها ضيفا على تلفزيون الكويت، وفي كل المرات التي خلت كنت حراً في أن أقول ما أريد، في ظل المبادئ التي أتمسك بها في إبداء الرأي، وهي الاستقلالية والوطنية والعلمية، مع لغة هادئة تذهب إلى الموضوع مباشرة، ولا تنحرف إلى التجريح في شخص، أو التسفيه برأي، أو الانزلاق إلى نقد هدام، يضر بالمصلحة العامة.

وكنت أتصور أن هذه الواقعة عابرة، أو محض موقف شخصي من تلك «السيدة»، لكن ما جرى بعدها جعلني أعتقد أنها لم تكن سحابة صيف، بل وجهة جديدة ستدوم، فبعدها غبت عن شاشة الكويت، وعلمت أن كثيرا من الباحثين والكتاب والحقوقيين المصريين المستقلين قد غيبوا، وأصبح متاحاً لهؤلاء أن يقولوا في التلفزيون المصري عن الحكومة المصرية ما يعتبره تلفزيون الكويت خروجا أو أمرا مرفوضا. وكل من أقابله من هؤلاء ويذهب بنا الحديث من دون سابق ترتيب إلى تلفزيون الكويت أجده يحمل له عتاباً... ودام الود ما دام العتاب. 

كاتب وباحث مصري.

back to top