محطة الحلم القادمة
حين تستيقظ رغبتنا الإنسانية في اقتناء شيء مادي، فإن ذلك الشيء يحمل قيمتين: الأولى قيمته المادية النقدية، والثانية قيمة معنوية سحرية يُضفيها عليه بُعده عنا، وحلمنا بالحصول عليه وتملكه، وإذا كانت القيمة النقدية تبقى شبه ثابتة، خلال فترة زمنية معينة، فإن القيمة المعنوية السحرية تزداد تصاعدياً، فكلما ارتفع وغلا ثمن ذلك الشيء، وصعُب الوصول إليه، ارتفعت قيمته المعنوية السحرية أكثر. وكلما طالت فترة انتظارنا وحلمنا بالوصول إليه وامتلاكه، أضفى ذلك عليه سحراً جاذباً، يتحول مع الوقت إلى معاناة حارقة، وخيالات نزقة مقرونة بتحقق لحظة الامتلاك.
إن تحقق لحظة الامتلاك، من خلال اقتناء الأشياء، يزيل عنها فوراً قيمتها المعنوية السحرية، وهذا يسقط عنها سحراً خبيثاً وماكراً ظل ملازماً لها طوال فترة بعدنا عنها، وحلمنا بالوصول إليها. إن سقوط القيمة المعنوية السحرية عن الأشياء، يفسر السبب وراء تبخر جزء من بريقها، وبعض من جاذبيتها لحظة امتلاكها. ووحده يفسر رخص قيمة الأشياء، وعزوفنا عنها بمجرد سقوطها في أيادينا. وأخيراً، فإن سقوط القيمة المعنوية السحرية عن الأشياء، يبرر شعورنا الداخلي بالخيبة، الذي نحاول مداراته، لحظة نكتشف عاديتها، وعدم استحقاقها معاناة الحلم بها. الحال تختلف في ما يخص امتلاك حلمٍ معنوي، لأن السعي البشري نحو تحقيق الحلم وبلوغ الأماني، يشكل سبباً أساسياً في حيوية دورة الحياة، فكل إنسان يمتلك أحلاماً يسعى إلى تحقيقها، وتبقى درجة الاختلاف في مكانة هذا الحلم أو ذاك، والعجلة التي يندفع بها كل منا لتحقيق أحلامه، فهناك الإنسان القنوع الراكن إلى الزمن، المكتفي بالانتظار، معتمداً ظرفاً خارجياً يغيّر الحال ويحقق أحلامه، وهناك المجتهد السائر بعجلة المعقول والمحسوب، وهناك بعض ثالث متعجلٌٌ تحقّق أحلامه، لا يطيق الانتظار، ولا تعرف القناعة طريقاً إلى قلبه، ولا يقبل بغير الانطلاق المحموم طريقاً لتحقيق أحلامه، وهؤلاء محكوم عليهم بالتعب والضنى، مثلما هو معقود في خطواتهم التميّز، لكنها الحياة، لكل شيء ثمنه، وثمن الأحلام الكبيرة، معقود بتحققها من جهة أو الانكسار والموت دونها. إنّ تحقق الحلم البشري، يعني بالنسبة الى البعض انتقالاً وسعياً لتحقيق حلم آخر أكبر، ويعني لبعض ثان القناعة، والاكتفاء بالتمتع بالحال الجديدة، لكن أياً كانت درجة التمتع، فإن أحلاماً أخرى مترتبة على الحالة الجديدة لا تلبث أن تنبثق، وعليه فإن الإنسان يحيا حياته حالماً بقطف أمانيه، وسائرا في دروب تحقيق أحلامه، مما يعني تلازم الحياة والحلم. لقد ظل الحلم على الدوام طريقاً لتغيير وجه العالم، فلولا الحلم والإرادة والعمل الجاد والصبر، لدى فئة مسكونة بهاجس قطف الأحلام لما تحققت الاكتشافات في مختلف مناحي الحياة، العلمية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية والفنية، ولَما كان للحياة وجه متجدد، لا يعرف ولا يطيق الاستكانة، ولا يصل الى محطة إلا وشد العزم إلى محطة قادمة، تختفي وراء الحلم.