Ad

الرئيس الفلسطيني يراهن على استقرار الضفة الغربية وانتعاش الاقتصاد فيها، وأن عملية السلام ستشهد انفراجاً قريباً، وأن أخطاء «حماس» ستزداد تضخماً ، وأن غزة ستصبح حتماً بمنزلة كوريا شمالية بينما ستصبح الضفة أشبه بكوريا جنوبية!

يرفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) التسليم بأبدية الانقسام الجغرافي والسياسي والوجداني بين قطاع غزة، الذي غدت تسيطر عليه حركة «حماس»، والضفة الغربية التي لحركة «فتح» الولاية عليها وعلى أهلها فرئيس السلطة الفلسطينية «بطبعه متفائل»، وهو يتحدث بثقة مطلقة بأن الوطن لا يمكن تقسيمه، وأن هذه السحابة السوداء هي سحابة صيف زائلة لا محالة، وأنه لن يصح إلا الصحيح، وأن قبضة «القوة التنفيذية» سيصيبها الاسترخاء، وأن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه وأكثر.

ويقول «أبو مازن» إن هذه ليست مجرد أحلام ليلة مقمرة تراودني إنها حقائق سيكون تحقيقها قريباً. ويبدو أن الرئيس الفلسطيني، مثله مثل معظم قادة ورموز السلطة الوطنية، لديه قناعة بأن حركة «حماس» باتت تأكل نفسها وباتت تفقد حاضرها ومستقبلها؛ أولاً، لأنها ربطت نفسها بالحلف الإيراني في المنطقة. وثانياً، لأن صورتها غدت، منذ أن قامت بانقلابها العسكري الأخير واستولت على الحكم في غزة، هراوات مرفوعة وملتحون يطاردون الأطفال والشبان في الشوارع!!

«دولة الظلم لن تدوم» هذا ما يقوله أبو مازن، وهو يقول أيضاً «ربَّ ضارة نافعة» فبرأيه أن انقلاب منتصف (يونيو) الماضي كان الخطوة الأولى نحو نعش «حماس». فهذه الحركة، وفقاً لوجهة نظره، كانت ترفع شعارات جميلة تطالب حركة «فتح» والسلطة الوطنية بتطبيقها وكانت تقوم بتعبئة الشعب الفلسطيني، المأزوم والمحبط والفاقد لأي أمل في الانفراج، على هذا الأساس ولهذا فإنها فازت بآخر انتخابات تشريعية وكان من الممكن أن ترسخ أقدامها أكثر وأكثر لو أنها نأت بنفسها عن السلطة ولو أنها اتخذت الموقف المعارض وبقيت تُسوِّقُ شعاراتها بالطريقة السابقة.

والحقيقة أن هذا الذي يقوله «أبو مازن» عن حركة «حماس» كان محور نقاشات ساخنة بين معممي الثورة الإيرانية بعد عودة الإمام الخميني من فرنسا في نحو منتصف (فبراير) العام 1979 وانتصار هذه الثورة فغير المقتنعين وغير المتحمسين لفكرة «ولاية الفقية» كانوا يرفضون زج المذهب الشيعي وعمائمه السوداء والبيضاء في تجربة الحكم غير المضمونة بينما كان المتضورون جوعاً للسلطة والحكم والمراكز الدنيوية يصرون على أن اللحظة التاريخية قد حانت ويقـــولون «إذا هبَّت رياحك فاغتنمها... فإن الخافقات لها سكون».

هناك الآن عشرات المعضلات التي تواجه «حماس» والآن كما يقال: «ذهبت السكرة وجاءت الفكرة»، فهذه الحركة انتقلت من مواقع المعارضة إلى مواقع المسؤولية وهي لا تملك من مؤهلات الحكم إلا هراوات القوة التنفيذية والحناجر الخطابية وألسنة الشتم والتحريض ولذلك فإنها ارتطمت بجدار الحقيقة منذ اللحظة الأولى فالحصار من البحر والبر والشمال والجنوب والغرب والشرق محكم حول غزة.

هذه هي حال «حماس» الآن، فالأب حتى الأب عندما يجد نفسه محاصراً بالأزمات والمشاكل وبضيق ذات اليد، فإنه لا يجد ما يواجه به هذه المصاعب سوى صبِّ جام غضبه على أطفاله فيوسعهم ضرباً وركلاً وهذا هو ما تفعله «القوة التنفيذية» التي استقبلها أهل غزة ذات يوم بالمزيد من الارتياح وأصبحوا يتعاملون معها على أن تصرفاتها غدت أسوأ من تصرفات «فتح» وأجهزتها الأمنية.

يقول أبو مازن، الذي هو بطبعه متفائل «إن الأيام قادمة وسترون»... والرئيس الفلسطيني إذْ يقول مثل هذا، فإنه يراهن على استقرار الضفة الغربية وعلى انتعاش الاقتصاد فيها على أن عملية السلام ستشهد انفراجاً قريباً... أيضاً، وهذا هو المهم، على أن أخطاء «حماس» ستزداد تضخماً وأن غزة ستصبح حتماً بمنزلة كوريا شمالية بينما ستصبح الضفة أشبه بكوريا جنوبية!!

* كاتب وسياسي أردني