خذ وخل: السحر الأسود لمواطني الذهب الأسود!

نشر في 03-02-2008
آخر تحديث 03-02-2008 | 00:00
 سليمان الفهد

لِمَ اختار السحرة دولة الكويت وضواحيها من دون غيرها من الحواضر العربية؟! أحسَب أننا نواجه عصابة دولية لابتزاز المواطنين النفطيين الكاملي الدسم، والقادرين على دفع الحوالة السخية من دون تفكير ولا تردد، ولا أستبعد أن يكون لهذه العصابة وكلاء ووسطاء وكفلاء من داخل البلاد لتسهيل مهمتهم الخرافية بصيغ مبهرة أفضت إلى وقوع الكثيرين «من الجنسين» في حبائلهم وشراكهم بسهولة ويسر!

* فوجئت بأم البنين تبسمل وتحوقل وتقرأ آية الكرسي، وهي ترتجف من الخوف لا البرد! لأول وهلة لم أهتم بالحالة بظني أنها صادفت فأراً نفطياً يتسكع في غرفة جلوسها! وجُل النساء يعانين من فوبيا الفأر والفقر!

والأخير يعالج بسبل شتى، لكن الأول لا مهرب منه إلا إليه، ولا سبيل لخلاص منه سوى مصاحبته والتعايش معه درءاً لاتهامنا بسوء معاملة الحيوانات «الأليفة»، لكن حالة بعلتي تتجاوز مسألة الخشية من الفأر والذعر منه! كانت تشير إلى الموبايل كمخلوق شرير مرعب يجب حبسه حرصاً على الصحة النفسية للمواطنين!

والمسألة وما فيها: أنها تلقت لتوها مكالمة من ساحر أفريقي، حذرها من وجود سحر أسود في بيتها، بغية تقويض حياتها الزوجية (قلت لنفسي: يا الله حسن الخاتمة، أثمة شيء لم يتقوض؟!) وأردَفت أن الساحر هدد بأن سحره الأسود سيبدأ عده التنازلي منذ الآن، لذا عليها أن تسارع إلى إحدى شركات تحويل الأموال فوراً وترسل المقسوم فوراً، وإلا فإنها ستتحمل عواقب وتبعات سلبيتها تجاه طلبات «الأسياد» المستحوذين على صناعة السحر الأسود وتصديره إلى مواطني الذهب الأسود! وكنت أظن أن المكالمة خاصة بمولاتي أم البنين، لكن اتضح لي أنها انهالت على الكثير من المواطنين من الجنسين، ربما لأن السحر الأسود ديموقراطي يؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل على حد سواء!

*والحق أن ما أثار حفيظتي وغضبي الشديدين يكمن في استجابة العديد من المواطنين والمواطنات لدعاوي المتصلين، وتصديق مزاعمهم من دون تأمل ولا تفكير.. ومن ثم هرولتهم إلى البنوك وشركات الصيرفة المعنية بالتحويلات المالية التي تستلم بعد نصف ساعة من تحويلها.

وهكذا قامت الكويت على بكرة أبيها ولم تقعد، على الرغم من دخول سفارة البلد المعني المصدر إلينا السحر الأسود العابر للقارات والحدود ممتطياً صهوة «الموبايل» وغيره من وسائل الاتصال الحديثة. ولا أعرف ما إذا كانت هنا ملحقية غيبية تُعنى بالسحر والشعوذة، وتمنح للمبتلين بوهم السحر الأسود تمائم، وتعاويذ وأنواعاً شتى من الرقية وكل ما من شأنه أن يصون من السحر: الشر «بره وبعيد».

كأن يكون بحوزة الملحقية فرقة زار حداثية تتناغم مع إيقاع «الجاز» الأميركي المعادل الفني الموضوعي لفرقة الزار نفسها، وما زاد طين هذه المهزلة بلة هو أن العديد من الناس يعتقد أن هناك علاقة عضوية بين انقطاع الكيبل البحري بالأسكندرية وعدم استجابة بعض المواطنين لمطلب السحرة «الأسياد» والعياذ بالله، على الرغم من أن وكالات الأنباء ذات الخبر اليقين أشارت إلى انقطاع الكيبل وتداعياته الضارة لوسائل الاتصال الحديثة مرده اصطدام سفينة به لسبب أو لآخر، لا يمتان إلى السحر الأسود بصلة! لكن المهووسين بالسحر و«تفانينه» لا يأبهون إلى أي حديث عقلاني بهذا الشأن!

فتراهم يعتقدون بأن السحر الأسود قادر على كشف سوءة حرامية المال، وفضح هوياتهم وأسمائهم في التو والحين من دون الحاجة إلى عناء الاستجوابات وما يتمخض عنها من «عزيزو» التأزيم ما غيره! زد على ذلك، إن شئت، ادعاء «المؤمنين» بإمكانية معرفة مجلس الأمة الراشد: اسم وهوية كاتب مقال الأهرام إياه الذي عجزت لجان التحقيق العديدة عن التوصل إلى معرفة اسمه المعلوم المجهول!

* والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لِمَ اختار السحرة دولة الكويت وضواحيها من دون غيرها من الحواضر العربية؟! أحسَب أننا نواجه عصابة دولية لابتزاز المواطنين النفطيين الكاملي الدسم، والقادرين على دفع الحوالة السخية من دون تفكير ولا تردد، ولا أستبعد أن يكون لهذه العصابة وكلاء ووسطاء وكفلاء من داخل البلاد لتسهيل مهمتهم الخرافية بصيغ مبهرة أفضت إلى وقوع الكثيرين «من الجنسين» في حبائلهم وشراكهم بسهولة ويسر!

ولعلها ليست المرة الأولى التي تتعرض لها البلاد إلى غزو «جني» وسحري ينطلي على السذج والذين في قلوبهم مرض، فبعد التحرير: شاع بين المواطنين أن لـ «صدام حسين» جنوداً مجيشة من الجن والعفاريت خلفها وراءه في أماكن شتى من البلاد ومنها الجزر والفضاءات المهجورة، وللأسف أن بعض الزملاء الكتاب روّج لهذه الفرية وأشاعها بغفالة لا يُغبطون عليها!

ولا حاجة بي إلى التشديد على تهافت هذه الكذبة وتفاهتها، ولو لم تكن كذلك لأنقذت «صدام» من الحبس والإعدام! ولو كنت ممن تلقى واحدة من هذه المكالمات لطرت ممتطياً مكنسة يدوية شعبية إلى مسقط، بدعوى أني مقيم هناك وأموالي كلها في بنوك السلطنة الشقيقة، وأحسب، بل أجزم أنه سيكف شره عني حالاً لأنه ليس في مقدوره أن يبيع الماء في حارة السقايين! ولأنهم «العمانيون» يؤمنون بأن السحر في سود العيون، وبلاغة البيان، وغيرهما من السحر الجميل الفتان!

back to top