2007: عندما يبدو الجمع منتصراً!

نشر في 30-12-2007
آخر تحديث 30-12-2007 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد

إن كان الجميع قد «فاز» خلال عام 2007 باستثناء مصر وفلسطين وبعض الدول العربية الأخرى فإلى أي حد قد يبقى هذا الوضع في المستقبل المنظور؟ الإجابة التي تقترح نفسها في مثل هذه اللعبة غير الصفرية، أنه بدلاً من المخاطرة بلعبة بديلة تبدو الأوضاع القائمة أفضل لأنها على الأقل تتجنب الخسارة.

أطرف ما في عام 2007 من الناحية الاستراتيجية والسياسية أن الأطراف المهمين في الصراع الإقليمي الكبير ظهروا وكأنهم منتصرون... باستثناء العرب بالطبع!

الكل يبدو فائزاً بشيء على حساب خصومه أو بالارتباط معهم، ولأول مرة منذ سنوات أو عقود تظهر اللعبة وكأنها فعلاً ذات حصيلة فوق صفرية: بمعنى أن ما يكسبه طرف ليس بالضرورة خسارة للآخرين.

السؤال هو: إلى أي حد يعدّ هذا المظهر تعبيراً أصيلاً أو باقياً وإلى أي حد هو متغير وخادع وإلى صيرورة الزوال السريع وصولاً إلى حسم الصراع لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.

بيكر-هاملتون

لنأخذ أميركا أولاً التي كانت تتعرض لنكبة سياسية واستراتيجية خطيرة في العراق حتى قرب منتصف هذا العام، في نهاية العام تشعر أميركا بأنها تفوز بالصراع في العراق.

وهي تبرر هذا الفوز بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق حقّقت تخفيضاً كبيراً جداً في مستويات العنف خلال النصف الثاني من عام 2007 وأن «المقاومة» للاحتلال قد انكمشت وربما تعيش أزمة كبيرة وأن نوعاً ما من الوجود الدائم أصبح أمراً مرجّحاً وأنه يحظى بقدر لابأس به من التوافق بين القوى المتنفذة في العراق اليوم. وكان المالكي رئيس الوزراء قد اتفق مع جورج بوش على نوع ما من الوجود العسكري الدائم في العراق.

أهمية هذا الاتفاق ليست في كونه قابلاً للتطبيق والصمود إنما لأنه يشكل رسالة ببقاء الولايات المتحدة على نحو أو آخر في العراق وأنها «تنتصر». وهذا هو الشعور الذي بدأ يسيطر على ذهن المواطن الأميركي، ولذلك بدأ الكونغرس يتراجع عن طلب السحب الفوري للقوات من العراق بل، صوّت منذ أسبوعين تقريباً لتمرير الموازنة العسكرية في العراق بصورة إجماعية تقريباً.

وخلال الأسابيع القليلة الأخيرة من عام 2007 بدت أميركا أكثر ثقة بنفسها وأكثر رغبة في تغيير مسار ومواقف إدارة جورج بوش، فأولا كانت الدعوة إلى مؤتمر أنابوليس شيئاً جديداً نسبياً على سياسة بوش الذي كان ينتقد سلفه الديموقراطي لأنه زجّ بنفسه مباشرة في مباحثات تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد اضطر أن يقلد سلفه الديموقراطي بيل كلينتون وصار منغمساً بقوة، وإن من دون نجاح يذكر في سياسات التسوية، وثانياً استجاب الجميع للدعوة إلى حضور مؤتمر أنابوليس بالرغم من أن الإدارة الأميركية نفسها أكّدت أن فرصه في النجاح محدودة، وأنها ستحتاج إلى وقت طويل. ومن الطريف أن تقبل سورية الدعوة رغم أنها كانت قد أهينت قبلها بأسابيع قليلة من خلال العملية الجوية الإسرائيلية ضد موقع في العمق السوري.

إيران الفائز الأكبر

وبطبيعة الحال فإن تحسن الموقف الأميركي في العراق وفي المنطقة ككل خلال عام 2007 لم يكن على حساب الموقف الإيراني، لقد حدث العكس تماماً بمعنى أن الموقف الإيراني تعزّز في نفس الوقت الذي بدأ فيه الموقف الأميركي يتحسن! فأولاً جاء تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية مفاجأة سارة للغاية لطهران، فهو على الأقل أبعد كثيراً شبح ضربات عسكرية أميركية أو إسرائيلية بذريعة الملف الذري، وثانياً اضطرت الإدارة الأميركية لعقد جلستي حوار مع إيران خلال هذا العام، وهو ما يعني اعترافاً بالنفوذ الإيراني في العراق، ومن ناحية ثالثة بدت إيران القوة الإقليمية الأهم في الساحة اللبنانية بفضل «حزب الله» الذي تمكن من شل الحياة السياسية اللبنانية كلية تقريباً، ورابعاً فإن مواقف مجلس التعاون الخليجي من إيران وملفها الذري تغير جذرياً خلال هذا العام بتبني سياسة الاشتباك البناء وعبر مبادرة كبيرة من جانب المملكة السعودية.

فوز إسرائيل هذا العام

إسرائيل بدت منتصرة أيضاً خلال هذا العام بالمقارنة بالهزيمة العسكرية التي لحقت بها في لبنان خلال عام 2006، فهي مقتنعة بأنها تحقق انتصاراً استراتيجياً ضد حركة المقاومة الفلسطينية بمختلف تياراتها خلال عام 2007، فنجحت في فرض حصار اقتصادي ومالي خانق ضد السلطة والشعب الفلسطيني، وعلى نفس الدرجة من الأهمية فازت إسرائيل في المعركة الدبلوماسية بإقناع اللجنة الرباعية بتقرير استمرار المقاطعة والحظر الاقتصادي والمالي المفروض على الحكومة الفلسطينية منذ فوز «حماس» بالرغم من توقيع اتفاق مكة في فبراير 2007 برعاية المملكة السعودية، ثم إن إسرائيل حققت انتصاراً كبيراً بدفع الفصيلين الرئيسين في الحركة الوطنية الفلسطينية إلى الصدام، وهو ما انتهى إلى مذبحة وانقلاب 14 يونيو من جانب «حماس» ضد «فتح» في غزة، ثم إن إسرائيل فازت أيضاً عندما تمكنت من إقناع العالم بعزل غزة بذريعة «حماس»، وأخيراً فإن إسرائيل حققت انتصاراً دبلوماسياً من خلال الطريقة التي تم بها توجيه الدعوة إلى مؤتمر أنابوليس، وذلك من دون أي التزام يتعلق بالمرجعية أو السقف الزمني.

وبالمقابل خرج العرب إجمالاً خاسرين، ولكنهم لم يخسروا بطريقة متساوية، بل إن بعض الدول العربية بدت أيضاً وكأنها خرجت فائزة من عام 2007. سورية بصورة خاصة تشعر بالفوز، فهي نجحت في وقف انزلاق الأوضاع ضدها في لبنان ونجحت في رهن استعادة الحياة السياسية في لبنان بإنشاء علاقات طيبة معها، ومن المرجح أن تتمكن سورية كذلك من تعطيل تأسيس المحكمة الدولية بخصوص اغتيال الحريري.

ثم إن دعوة سورية إلى مؤتمر أنابوليس تعد هزيمة كبيرة للدبلوماسية الأميركية القائمة على عزل سورية، وبوجه عام كان عام 2007 طيبا للغاية بالنسبة لسورية خارجياً وداخلياً.

ورغم استمرار المخاوف في الخليج فإنه بصورة عامة حقق فوزاً لابأس به خلال عام 2007 أقله في ما يتعلق بأسعار النفط التي تضاعفت خلال العام وتضاعف معها دخل دول الخليج وقوتها التفاوضية على مستويات مختلفة. وكذلك فإن دول الخليج مأخوذة معاً يمكن أن تنسب لنفسها الفضل في إقناع أميركا بالتعامل مع القضية الفلسطينية بصورة مباشرة، وهو ما حدث في مؤتمر أنابوليس، ولابد من الاعتراف أن الدبلوماسية الخليجية كان لها بعض الفضل في الاعتدال النسبي الذي أظهرته إيران هذا العام.

بقية الأطراف العربية خصوصاً مصر والسودان عانت خسائر سياسية ودبلوماسية صافية خلال عام 2007، فجميع الرهانات على اللاعبين الفلسطينيين باءت بالفشل، وازداد الاحتقان مع حركة «حماس» ومن ثم بدت مصر وكأنها تشارك في عزل غزة، وعلى المستوى الإقليمي فإن الرهان على قيام مصر بدور موازن لإيران فشل كلية.

السؤال هو: إن كان الجميع قد «فاز» خلال عام 2007 باستثناء مصر وفلسطين وبعض الدول العربية الأخرى فإلى أي حد قد يبقى هذا الوضع في المستقبل المنظور؟

الإجابة التي تقترح نفسها في مثل هذه اللعبة غير الصفرية أنها قد تبقى بفضل الراحة التي تسببها للجميع، فبدلاً من المخاطرة بلعبة بديلة تبدو الأوضاع القائمة أفضل لأنها على الأقل تتجنب الخسارة، وفوق ذلك فإن اللعبة القائمة يمكن البناء عليها، فأميركا في ظل صيغة بيكر-هاملتون أكثر نجاحاً وأكثر رغبة في التفاهم مع إيران وربما سورية، وإيران كسبت كثيراً جداً إلى درجة أنها تحتاج إلى وقت حتى تستوعب وتهضم هذه المكاسب السياسية والدبلوماسية.

ومع ذلك تبقى ثلاثة عوامل ضد استمرار الحركة التوافقية الراهنة على المستوى الإقليمي:

الأول هو القوى الإسرائيلية المعادية للتسوية السياسية والسلمية، وقد تغولت هذه القوى إلى درجة حفزت نوعاً من رد الفعل السلبي في الولايات المتحدة. ومع ذلك فلديها خبرة طويلة جداً في التآمر ضد السلام والعدالة في الأرض المحتلة وتستطيع دائماً في ما يبدو إشعال حروب سياسية أو عسكرية.

والثاني هو الحماقة الأصيلة لإدارة بوش، إن جميع انتصارات بوش الدبلوماسية هذا العام تمت بفضل وضعه تحت الوصاية من جانب مؤسسة الحكم ممثلة في لجنة بيكر-هاملتون. ومع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية جهل وحماقة واندفاعات بوش نفسه غير العقلانية وما تنتجه من نتائج سلبية في هذه المنطقة بالذات.

وأخيرا فهناك دور الأطراف العربية التي غادرها القطار هذا العام وليس لديها مصلحة في استمرار التوافقات الحالية، ومن المحتمل أن تتمكن بعض هذه القوى لاسيما «حماس» من قلب المائدة إن لم تحصل على مكسب مهم في العملية السياسية التوافقية الراهنة.

* كاتب مصري

back to top