غريبة تلك الرسالة التي وجهها مجلس الوزراء إلى وكلاء الوزارات والتي طلب فيها عدم تمرير معاملات النواب غير المشروعة -أي التي تخالف القانون- غريبة في مضمونها وتوقيتها.

Ad

ويبدو ان مجلس الوزراء تعمّد اصدارها بعد عطلة المجلس وسفر أغلب النواب، تحاشياً للضجة أو الضغوط التي قد يتعرض لها المجلس من قبل السادة النواب.

غريبة في مضمونها، فهي إما اعتراف صريح بأن هناك معاملات غير مشروعة يمررها السادة وكلاء الوزارات إلى النواب، والمجلس لا علم له بها... وإما أنها دليل على الحرص الفائق على تطبيق المشروع والابتعاد عما هو مخالف للقانون.

لكن السؤال المحيّر هو: هل ما يمرره وكلاء الوزارات إلى النواب من معاملات بإرادتهم أم بتوجيهات من وزرائهم؟... وهل أكد مجلس الوزراء على أعضائه الوزراء ضرورة التقيد بذلك؟ وكيف يمكن أن نفسر حفلة توقيع المعاملات العلنية أمام كاميرات المصورين والحضور في قاعة عبدالله السالم، ناهيك عما يتم توقيعه في قاعة الاستراحة.

والأهم من كل هذا وذاك، شعور بعض الوزراء بأن مصيرهم بيد بعض النواب، مثلما حصر بعض النواب مصيرهم بيد الناخب الذي يختار وفقاً للقدرة على انجاز المعاملات، لا حَسْبَ الموقف والرقابة... تلك المعادلة الجائرة مَنْ صنعها؟ ومن تبنّاها وربّاها حتى صارت اصلاً في الحياة النيابية؟

إن رغبة الناس في تجاوز القانون والاستثناء منه تفوق رغبتهم في التمسك به واحترامه لسبب بسيط، فاختراق واحد للقانون ينمّي الرغبة في تجاوزه، ولو كان هذا القانون المظلوم مطبقاً على الجميع لاحترمه الناس... بمعنى أدق، لو طبق القائمون على القوانين قوانينهم بمبدأ السواسية والعدالة والتزموا بها التزاماً صارماً لما لجأ إليهم احد للاستثناء، ولو أدركوا انهم، حقاً، يقومون بعملهم بإخلاص وليس عليهم مأخذ في الاستثناء والتمييز، لما استعملوا مبدأ الخرق بشراء ودّ النواب (أو بعضهم) كشراء لذمم سياسية أو لخشيتهم من اشياء يعرفها سواهم.

الدوائر الخمس والعشرون، والعبث بالانتخابات والتطاول في تنفيع فلان أو علان على حساب مبدأ المساواة ومحاولات انجاح فلان على حساب الآخر... كلها اسباب جوهرية.

المسألة ببساطة تنتهي عند حد فاصل، هو وقف العبث في الانتخابات ومحاولة السيطرة عليها وثقة المسؤولين بنزاهتهم وأدائهم، تستطيع أن توقف كل معاملات النواب ليعودوا ويمارسوا دورهم مشرّعين ومراقبين، لا مخلصي معاملات... !