أيام خالدة... وضع الأسس!!
ظهر الدستور إلى حيّز الوجود من خلال هيئة تأسيسية منتخبة، ولم يكن على شكل دستور منحه سمو الأمير إلى شعبه. والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً، ألم يكن بإمكان الشيخ عبدالله السالم أن يقدّم للشعب وثيقة الدستور ويطرحها على الاستفتاء العام مثلاً؟
ابتعاداً عن حالة الضياع التي تمر فيها البلاد، ومؤشرات الانحراف المحبط عن أصول ومقاصد العملية السياسية البنّاءة فإنه من المناسب، بل من المفيد الحديث عن ذكرى يوم من الأيام الخالدة في تاريخ الكويت. ففي مثل هذا اليوم قبل 46 عاماً عقد المجلس التأسيسي أولى جلساته لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ الكويت الحديث، حيث كانت المهمة الرئيسة للمجلس التأسيسي هي وضع الدستور الذي سيصبح لاحقاً وثيقة الحكم، والعقد الذي يجمع بين الحاكم والمحكوم، وتتحدّد بموجبه معالم وشخصية الدولة المستقلة حديثاً.وقد ألقى أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم في ذلك الافتتاح كلمة مقتضبة قال فيها: «... نفتتح الآن أعمال المجلس التأسيسي لدولة الكويت المستقلة، هذا المجلس الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل، لقد كان إعلان استقلال الكويت في التاسع عشر من شهر يونيو الماضي فاتحة عهد جديد للكويت التي ما عرفت منذ وجدت إلا الحرية والكرامة...»، وختم كلمته بالنصح «... كوالد لأولاده أن تحافظوا على وحدة الصف وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على أكمل وجه وأحسنه والله ولي التوفيق».ولم يُخيّب المجلس التأسيسي وأعضاؤه الواحد والثلاثون الظنّ بهم فقد أنجزوا المهمة التاريخية الموكلة إليهم بأقل من عام واحد.وقد تشكّل المجلس من أعضاء منتخبين عددهم عشرون عضواً وأحد عشر عضواً آخرون من الوزراء المعينين من أفراد الأسرة الحاكمة، إلا أنهم أعلنوا مبكراً وبإيعاز من أمير البلاد أنهم لن يصوّتوا على وثيقة الدستور لكي تكون تلك الوثيقة صادرة عن الشعب، وهكذا كان. وهكذا جاء الدستور وظهر إلى حيّز الوجود من خلال هيئة تأسيسية منتخبة، ولم يكن على شكل دستور منحة منحها سمو الأمير إلى شعبه. والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً، ألم يكن بإمكان الشيخ عبدالله السالم أن يقدّم للشعب وثيقة الدستور ويطرحها على الاستفتاء العام مثلاً؟ بالتأكيد كان بإمكانه فعل ذلك، فالأجواء السياسية التوافقية التي كانت تعيشها البلاد آنذاك كانت تسمح بذلك، ولكنّ الإصرار على تكامل البنية الديموقراطية دفع باتجاه انتخاب المجلس التأسيسي ومنحه بشقه المنتخب كل الصلاحيات لإصدار الدستور.وقد تمّ انتخاب عبداللطيف ثنيان الغانم رئيساً للمجلس في إشارة مهمة للترابط بين العملية السياسية، فقد كان رحمه الله عضواً في المجلس التشريعي عام 1938، وتعرّض للسجن بعد حلّه قرابة أربع سنوات ونصف السنة، كما انتخب الدكتور أحمد الخطيب نائباً لرئيس المجلس، والذي دفع بقوة لإنجاز الدستور على الرغم من تحفّظاته على عدد من المواد. ولعلّ الجهد الأهم في هذا الإطار يتلخّص في الدور الذي أدّته لجنة الدستور التي انتخبها المجلس التأسيسي وتكوّنت من رئيس المجلس ويعقوب الحميضي وحمود الزيد الخالد وسعود العبدالرزاق والشيخ سعد العبدالله السالم. ولعلّه من غير الممكن في هذه العجالة تثمين دور تلك اللجنة في صياغة الدستور من دون قراءة محاضرها، التي كانت سريّة حتى فترة قريبة. ربما نجده مناسباً أن نحيي أعضاء المجلس التأسيسي فرداً فرداً سائلين الرحمة والمغفرة لمن تغمّده الله برحمته منهم وطول العمر والشفاء لمن مازال منهم على قيد الحياة... فتحيّة من القلب إلى كل من: أحمد خالد الفوزان، ود.أحمد الخطيب، وحمود الزيد الخالد، وخليفة طلال الجري، وسعود العبدالرزاق، وسليمان أحمد الحداد، وعباس مناور، وعبدالرزاق أمان، وعبدالعزيز حمد الصقر، وعبدالله فهد اللافي الشمري، وعبداللطيف ثنيان الغانم، وعلي ثنيان الأذينة، ومبارك الحساوي، ومحمد رفيع معرفي، ومحمد الوسمي، ومحمد يوسف النصف، ومنصور عيسى المزيدي، ونايف حمد الدبوس، ويعقوب يوسف الحميضي، ويوسف المخلد المطيري.ونفس التحية إلى الوزراء الشيوخ جابر الأحمد، وخالد العبدالله السالم، وجابر العلي، وسعد العبدالله، وسالم العلي، وصباح السالم، وصباح الأحمد، ومبارك الحمد، وعبدالله الجابر، ومحمد الأحمد، ومبارك العبدالله الأحمد.فبصرف النظر عن تحوّلات الزمن، وتبدّل الأحوال، وتغيّر المواقف، وبصرف النظر عن تباين المواقف من هذا العضو أو ذاك، فإن تلك الثُّلّة من الشعب الكويتي كانت أكثر بصيرة، وأشدّ حرصاً على إنجاز الوليد العملاق الدستور، فلهم تحية وتقدير وعرفان وإن كانت المهمة القادمة أشدّ وطأةً، وهي بحاجة ماسة إلى ذوي البصيرة لعلّنا نصل إلى ضفة النجاة.**** الصديق العزيز والفنان المبدع صلاح الساير أتحفنا بفيديو الجزء الأوّل من عمله الرائع «الكشاف»... إضافة رائدة نغبطه عليها... وفي انتظار المزيد من الإبداع.