هناك معطيات جديدة تقول إن إفادة أحد الشهود مشكوك فيها، خصوصاً أنه بدّل رواياته وأقواله أكثر من مرة وكذلك في الأدلة التي قدمت حول المقراحي. مثل هذا القرار سيكون له تداعيات خطيرة على الصعيدين القانوني والسياسي، فلعلّه سيعيد طرح السؤال مجدداً: إذا لم يكن المقراحي ومن يقف وراءه هم المتهمون بتفجير الطائرة، فمن المرتكبون إذاً؟من جديد عاد الحديث عن حقيقة «لوكربي»، وذلك بعد أن قررت الهيئة القضائية في اسكتلندا أن ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقراحي الذي يمضي عقوبة سجن طويلة، بتهمة تفجير «بان إم» الأميركية في أجواء لوكيربي الاسكتلندية في العام 1988، قد تمت إدانته بطريقة خطأ ويحق له استئناف الحكم الصادر بحقه.
وقد تردد هذا الأمر في إطار حديث عن صفقة سياسية، يتم فيها إطلاق سراح الممرضات البلغاريات اللاتي جرت محاكمتهن بتهمة غرز أجسام أطفال ليبيين بفيروس نقص المناعة المكتسبة المعروف بـ «الإيدز»، ومطالبة عوائل الضحايا الـ 400 بإنزال أقصى العقوبات بحق المتهمات وتعويضهم ما لحق بالأبناء والعوائل من أضرار وغبن وإساءة، مثلما تم تعويض ضحايا «لوكيربي». ورغم عدم وجود علاقة بين قضية «لوكيربي» وجوانبها القانونية، وبين قضية الممرضات، إلاّ أن هناك من يريد خيطاً موصلاً بينهما، وهو التسوية السياسية.
الهيئة القضائية الاسكتلندية قررت بعد تحقيقات استمرت لمدة أربع سنوات، كما قالت، أنه لم تُراع أصول المحاكمة العادلة المعروفة دولياً في مجالات عدة، وجاء ذلك في تقرير أصدرته الهيئة يقع في 800 صفحة، ولعل ما تسرّب منه حتى الآن الشيء القليل، في حين أن معظمه مازال سرّياً.
المعطيات الجديدة تقول إن إفادة أحد الشهود مشكوك بها، خصوصاً أنه بدّل رواياته وأقواله أكثر من مرة وكذلك في الأدلة التي قدمت حول عبد الباسط المقراحي بشرائه الملابس التي وجدت في الحقيبة التي فجرت الطائرة.
مثل هذا القرار سيكون له تداعيات خطيرة على الصعيدين القانوني والسياسي، فلعلّه سيعيد طرح السؤال مجدداً: إذا لم يكن المقراحي ومن يقف وراءه هم المتهمون بتفجير الطائرة، فمن المرتكبون إذاً؟ وهنا لابد من رحلة مضنية جديدة على الصعيدين القضائي والقانوني، فضلاً عن الصعيد السياسي، للبحث عن المرتكبين الفعليين والجناة الحقيقيين، الذين قاموا بتنفيذ تلك العملية الإجرامية، التي راح ضحيتها 270 إنساناً كان بينهم 179 أميركياً.
كانت خطوة ليبيا بتسليم «المتهمين» وقبول محاكمتهم خارج أراضيها من قبل القضاء الاسكتلندي سابقة قانونية وسياسية مهمة جداً وجريئة في الآن ذاته، خصوصاً بعد إقدامها على إبداء استعدادها من الناحية الإنسانية لتعويض الضحايا وجبر الضرر، ومن جهة ثانية تقدّمها بالحصول على رأي استشاري «فتوى» من محكمة العدل الدولية في لاهاي، والذي جاء لمصلحتها، رغم أن إثبات البراءة يتداخل أحياناً مع الحملة الدولية ضد الإرهاب، والذي تُتهم فيه بلدان عربية وإسلامية، إلا أن القضاء الاسكتلندي بسوابقه المتميزة كان دليلاً على التزامه بالمعايير القانونية والمبدئية بشكل عام، وبخاصة ما يتعلق بشروط المحاكمة العادلة، فقد سبق له النظر في 887 قضية أوصت المحكمة باعادة المحاكمة في 76 منها، وقد كسب المستأنفون 25 قضية.
المقراحي الذي سلمته حكومته ليحاكم في هولندا طبقاً للقانون الاسكتلندي أصرّ على براءته، وهو الوحيد الذي تمت إدانته بحكم مغلّظ وصل إلى 27 عاماً من بين زملائه. ويظل إجلاء الغموض الذي اكتنف القضية وكشف الحقيقة حول جوانبها الملتبسة، مسألة حيوية تزداد بعد قرار المحكمة بالاستئناف، الذي ينبغي على محامي المقراحي التقدم به لتحديد موعد انعقاد الجلسة، خصوصاً أن محكمة الاستئناف لا يمكنها رد الطلب.
وكان تفاؤل محامي المقراحي كبيراً عندما صرّح باسم موكلّه في بيان خاص بالقول: لم أشك مطلقاً في أن مراجعة قضائية مستقلة لقضيتي سوف تتوصل إلى هذه النتيجة، وأكدّ ما قاله في العام 1999: أن ليس لديه أي علاقة على الإطلاق بحادث تفجير «لوكيربي» لا من قريب ولا من بعيد.
بعد هذه المداخلات فالاحتمال الراجح هو اطلاق سراح المقراحي وإعادته الى ليبيا ليتابع وقائع المحاكمة الجديدة من هناك، ومن المحتمل أن يتقدم محامي الدفاع بطلب إطلاق سراحه مؤقتاً، وقد يستغرق الأمر بضعة شهور. ولعل هذه المعطيات الجديدة وبخاصة القضائية تتعارض مع ما قدمته جهات استخباراتية، وهو ما ينتظر أن تبت بشأنه المحكمة بشكل نهائي، فالحكم الفصل هو للقضاء، وهو ما ينبغي أن يسود على الصعيد العالمي.
كاتب ومفكر عربي