يجهد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من أجل الإيحاء بحصر معركته بالأنظمة الحاكمة ومؤسسات السلطة دون غيرها. بكلمات أخرى، فهو يحاول تحييد الشعوب في تلك المنطقة عن معركته تلك لأهداف يمكن تأويلها بأشكال عدة.

Ad

معلوم أن التنظيم الذي يهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية بعد الإطاحة بأنظمة «الكفر والتبعية» في دول المغرب العربي، أصبح فرعاً إقليمياً من التنظيم المركزي لـ«القاعدة». فبتاريخ 24-1-2007 أُعلن عن انضواء «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر تحت لواء تنظيم «القاعدة»، وتغيير اسمها إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ينتج عن ذلك توسيع نطاق عمل الجماعة وتحوله من قطري إلى إقليمي وما يستتبعه من انضواء الجماعات التي تحمل فكراً مشابهاً في مختلف أقطار المغرب الغربي إلى هذا التنظيم. أي إقامة الوحدة «الجهادية» المغاربية كجزء من نظيرتها الإسلامية الشاملة.

منذ نشوئه، عرف التنظيم نشاطاً إعلامياً ملحوظاً من بيانات وتقارير إخبارية وغيرها. والملفت هو تأكيده المتكرر في «أدبياته» المختلفة التي أصدرها، على حرمة دماء المسلمين لديه ممن هم خارج المؤسسات الحاكمة وعدم استهدافهم من قبله، بل وحتى إطلاق التحذيرات لهم من أجل الابتعاد عن الأماكن التي قد تكون هدفاً محتملاً لعناصر التنظيم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نفى بيان له في فبراير الماضي، أن يكون التنظيم قد زرع عبوات ناسفة في أماكن عامة في الجزائر، معتبراً ذلك «مسرحية مكشوفة» تهدف إلى تشويه «المجاهدين» وتأليب الرأي العام ضدهم. وفي بيان آخر في أبريل 2007، وجه التنظيم نداءً مفاده أن «المجاهدين» حريصون كل الحرص على تجنب دماء المسلمين ويحتاطون أيما احتياط في هجماتهم «فالحذر الحذر من حملة التضليل... ». وفي وقت سابق من يوليو 2007 أصدر التنظيم بياناً يدعو فيه من تورط في مناصرة العدو «إلى التوبة والكف عن مناصرة المرتدين»، وأن التنظيم لا يشترط على التائبين أن يكونوا معهم، بل «يكفيهم اعتزال محاربتهم باليد واللسان والمال».

ومنذ أيام وتحديداً بتاريخ 23-7-2007، دعا التنظيم إلى الابتعاد عن «المراكز والتجمعات الرسمية والأمنية من جيش ودرك وشرطة وحرس بلدي، وترك مجاورتها ومخالطتها» لأنها أهداف جرى العزم على مهاجمتها من قبل التنظيم. والملفت في البيان، تكرار مقولة الحرص على دماء المسلمين، والادعاء بأن هذا الحرص دفع التنظيم إلى العدول عن عدد من عملياته خوفاً من سفك دمائهم، داعياً إياهم إلى عدم الوجود في الأماكن المشار إليها حتى لا يكونوا سببا في تعطيل تلك العمليات!

هذا مع العلم بأن الإرث الدموي لجماعات السلفية الجهادية، وخاصة في الجزائر موطن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، لايترك مجالاً للحديث عن حرمة دماء أو حرص على حياة مسلم. ومن هنا قد تأخذ محاولات تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب من أجل النأي بنفسه عن أي قتل يطال عامة الناس من خارج المؤسسة الحاكمة، تأويلات عديدة.

فقد أشارت العديد من التقارير الصحفية أخيرا إلى خلافات كبيرة تعصف بقادة التنظيم حول المنهج والتطبيق على السواء، وهو ما نفاه التنظيم عبر بيان له بتاريخ 14-5-2007. وإن صح ذلك، فقد تأتي تلك المحاولات على سبيل الاجتهاد من أجل التوصل إلى «تطرف متوافق عليه»، إن صح التعبير، من شأنه أن يطوق الخلافات المزعومة ويقرب في وجهات النظر المتباينة.

من ناحية أخرى، فقد يدلل ذلك الخطاب «الحريص على دماء المسلمين» على بوادر أزمة تتجلى في مد الرفض الشعبي لمثل تلك الحركات- وهذا لا علاقة له باستمرار القدرة على استقطاب المتطرفين وتجنيدهم- وما يمثله ذلك من تهديد لقدرة التنظيم العملياتية والدعوية المؤدلجة على حد سواء. وقد تضمنت البيانات التي أشرنا إليها وغيرها، أحاديث عن محاولة السلطة ترهيب الناس من التنظيم ودفعهم إلى الوشاية بأعضائه، فضلاً عما يمكن تلمسه من الدعوة إلى تحييد العامة أكثر منها دعوة إلى دعمهم ومؤازرتهم.

أخيراً، لا يمكن إغفال عنصر التهديد الذي ينطوي عليه ذلك الخطاب، ومفاده ترهيب الناس من الاقتراب من، والتعامل مع، مختلف الأجهزة الحكومية والسلطات الرسمية. وهي دعوة غير واقعية على أي حال، ليس من شأنها أن تخفف من ردود الفعل الشعبية الغاضبة في حال وقوع عمليات يذهب ضحيتها مدنيون من خارج إطار السلطة الحاكمة ومؤسساتها.

من المبكر الحكم على تجربة تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب، وقدرته على التعامل مع ما تراكم من مواقف وشعور لدى شعب عانى ما عاناه على يد التنظيمات الإسلامية المسلحة والسلطة على حد سواء. ومن التفاؤل المفرط القول إن التنظيم يشهد إرباكاً يحكم جزءاً من توجهاته وقدرته على الاستمرار بفعالية تخريبية، هذا على الرغم من العمليات الإرهابية التي استطاع أن ينفذها في الآونة الأخيرة، ويهدد بمثلها في المستقبل القريب. لكن لا مناص من الأمل في زحمة الموت، ولو كان أملاً على المدى غير المنظور حالياً!

 

كاتبة سورية