لفظ «قوم» لفظ قرآني مع ألفاظ أخرى مثل قبيلة وعشيرة ورهط وأناس وشعب، ويعني مجموعة مترابطة من الناس، ذُكر اللفظ ومشتقاته في القرآن ثلاثمئة وثلاث وثمانين مرة، ويعني الجماعة الصالحة العالمة المؤمنة الذاكرة العاقلة الموقنة المعاهدة المحبة، وهي خصائص خلقية مثالية وليست عرقية شعوبية، في حين ذكر لفظ «إسلام» مئة واثنتين وأربعين مرة أي الثلث تقريباً.اليسار الإسلامي أيضا إسلام قومي، يربط العروبة بالإسلام، فالإسلام أحد تجلياتها ومراحلها التاريخية، كما أن العروبة إحدى مراحل تطور الوحي منذ آدم حتى محمد، حمله الساميون، وكان آخرهم العبرانيين. وبالرغم من الصراع التقليدي بين الإسلاميين والقوميين لسوء فهم متبادل بين كل منهما. فالقومية عند الإسلاميين عرقية محدودة، في حين الإسلام إخوة شاملة. والإسلام عند القوميين تجاهل للعروبة وأممية لا وجود لها في عصر القوميات، فما يجمع بين العربي المسلم والعربي المسيحي أكثر مما يجمع بين العربي المسلم والصيني المسلم. وبعد هزيمة يونيو 1967 نشأ الحوار القومي الإسلامي في مواجهة الأخطار المشتركة من العدوين التقليديين لهما، الاستعمار والصهيونية. فالأيديولوجيتان متكاملتان. الإسلام ثقافة العرب، والعروبة حامل الإسلام الأول قبل بقية الأمم الأخرى في آسيا وأفريقيا وأخيراً في الغرب الحديث، أوروبا وأميركا.
صحيح أن لفظ «قوم» لفظ قرآني مع ألفاظ أخرى مثل قبيلة وعشيرة ورهط وأناس وشعب، ويعني قوم مجموعة مترابطة من الناس، ذُكر اللفظ ومشتقاته في القرآن ثلاثمئة وثلاث وثمانين مرة. ويعني الجماعة الصالحة العالمة المؤمنة الذاكرة العاقلة الموقنة المعاهدة المحبة. وهي خصائص خلقية مثالية وليست عرقية شعوبية. في حين ذكر لفظ «إسلام» مئة واثنتين وأربعين مرة أي الثلث تقريباً.
ولا تعني القومية العربية وحدها بل أي قومية. فالإسلام التركي قائم على القومية التركية. وكذلك الإسلام الإيراني أو الهندي أو الصيني أو الأوزبكي. وقد يتم توسيع المفهوم القومي على القاري مثل الإسلام الأفريقي، الإسلام الآسيوي، الإسلام الأوروبي. ولا يعني ذلك تعدد الإسلام من حيث هو مضمون ورسالة، بل يعني فقط فهمه في ظروف وأطر ومواقف حضارية مختلفة، ويلبي حاجات كل حضارة وشعب. الإسلام القومي حلقة متوسطة بين الإسلام الوطني والإسلام الأممي طبقاً للدوائر الثلاث: الوطن والعروبة والإسلام، وكما نقول في الاستعمال مصري وتعني عربي، فإننا نقول «عربي» وتعني «إسلامي»، لا فرق بين الوطن العربي وليس العالم العربي، والعالم الإسلامي وليس الوطن الإسلامي. فالإسلام له حامل قومي. حمله العرب كما حمله غير العرب.
العروبة حامل الإسلام الأول. أراد عمر أن يوحد جزيرة العرب وأن يجعلها قصراً على العرب والإسلام. وحديثا جعل بعض القوميين مصر الدولة القاعدة لتوحيد العرب، والعرب القومية القاعدة لتوحيد الأمة. ليست العروبة عرقاً وليست بأب أو أم، بل هي اللسان. فكل من تحدث العربية فهو عربي. اللغة تفرض فكرها وثقافتها ورؤيتها للعالم.
العروبة خصوصية للسان والثقافة ممثلة في القرآن والنبي مبلغه. فقد ورد لفظ «العرب» ومشتقاته في القرآن إحدى وعشرين مرة لوصف اللسان (وهذا لسان عربي مبين)، والقرآن (إنا أنزلناه قرآنا عربياً)، وهي أكثر الاستعمالات (ثمانية مرات)، والحكم أي الشريعة أي الطبيعة والفطرة العربية. أما «الأعراب» فلها معنى سلبي بمعنى البدو في الاستعمال التداولي الحديث، يتميزون بالكفر والنفاق والتخلف عن المعركة. وهو اللفظ الأكثر استعمالاً (عشر مرات)، وكأنه يصف سلوك بعض الأعراب المحدثين.
وهناك أمم قبلت العروبة والإسلام مثل مصر، وأخرى قبلت الإسلام من دون العروبة مثل الأمم القومية، إيران وتركيا. ويمكن اعتناق الإسلام من دون اللغة مثل الأمم الإسلامية في آسيا قديماً وفي الغرب حديثاً إلا في أقل القليل لأداء شعائر الصلاة. ويمكن لأمم أخرى أن تبقي العروبة من دون الإسلام مثل النصارى العرب. وهم أولاد عمومة لا تـُقبل منهم الجزية. تتعدد اللغات الوطنية والثقافات القومية والدين واحد، عكس ما هو حادث حالياً في الوطن العربي والعالم الإسلامي، اللغة واحدة، الفرانكفونية أو الأنجلوفونية التي تضم لغات وطنية وثقافات قومية متعددة مثل؛ الأفريقي أو الآسيوي الذي لغته الفرنسية أو الإنكليزية.
توجد عروبة واحدة كهوية متصلة عبر التاريخ ذات عادات وثقافات ولهجات متعددة. لهجات العرب وزيهم وطعامهم وعاداتهم وتقاليدهم تتغير بتغير الشعوب العربية. أما هوية الشعب العربي في اللغة والثقافة فهي واحدة. وهناك عادات لشعب انتشرت لدى شعوب أخرى مثل غطاء الرأس حماية من الحر أو غطاء الوجه حماية للرمال. تنتشر في مجموع الصحراء العربية في شبه الجزيرة لتشابه الظروف الجغرافية. و«الأرابيسك» فن أوزبكي انتشر بانتشار الإسلام لأنه فن مجرد يحافظ على التنزيه، ولا يقع في التشبيه.
أصبحت القومية العربية أحد روافد الفكر السياسي العربي الحديث وإحدى أيديولوجياته السياسية المنتشرة في الشام والعراق وعلى أطراف الجزيرة العربية في الخليج واليمن. وحكمت فيها. أخطأت وأصابت، قهرت وحررت، وكونت الوجدان العربي الحديث بانتصاراته وهزائمه. وأصبحت جزءاً من الأناشيد الوطنية «وكل بلاد العرب أوطان»، عدنان وقحطان، لبنان وتطوان، من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر. وظهر مفكرون قوميون مثل ساطع الحُصري ونديم البيطار. وأنشئت أحزاب قومية رائدة مثل حزب البعث العربي الاشتراكي. وقامت ثورات عربية مثل الثورة العربية الكبرى. وأنشئت تجارب عربية وحدوية مثل «الجمهورية العربية المتحدة». وقامت مجالس تعاون بين أكثر من قطر عربي. وتأسست الجامعة العربية بيتاً للعرب.
وأمام مخاطر التفتيت والتجزئة للأمة إلى دويلات عرقية عربية وكردية وبربرية وتركمانية وزنجية، وطائفية سنية وشيعية ومارونية وقبطية وإسلامية حتى تصبح إسرائيل أكبر دولة عرقية طائفية يهودية في المنطقة، يساهم الإسلام القومي في الحفاظ على الوحدة العربية باسم القومية العربية. فقد خسرت الأمة الوحدة الإسلامية ممثلة في نظام الخلافة في 1924 لمصلحة القومية العربية. ثم خسرت القومية العربية عدة مرات بعد هزيمة يونيو 1967 وحربي الخليج الأولى عام 1980 والثانية عام 1990 لمصلحة القُطرية. والآن تخسر القطرية لمصلحة الدويلات العرقية والطائفية.
والمقصود من تفتيت المنطقة عزل مصر من محيطها العربي، ونزع القلب من الأطراف حتى تلتهم القوى الكبرى الأطراف شرقاً وغرباً. وفي عصر التكتلات الكبرى مثل العولمة أو التجمعات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي فإن تجمعا عربياً يضم أكثر من مئتين وخمسين مليوناً من العرب، تحيط به دول الجوار إيران وتركيا يمثل ثقلاً دولياً يحمي الأقطار من الاندثار. له جناحه الشرقي في آسيا، والشمالي في تركيا، والغربي في أوروبا، والجنوبي في أفريقيا. يربط بين القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا وأوروبا. ويكون ميزان الثقل في العالم الجديد، كما كان قديماً، في الفترة الإسلامية الأولى. ويرث أوروبا بعد أن فقدت استقلالها بتبعيتها للولايات المتحدة الأميركية. حينئذ ينسى العالم صور الإرهاب والعنف والتخلف والقسوة والتسلط. ويحيي ذكرى غرناطة وقرطبة وإشبيلية وطليطلة. ويبقى تاج محل وقصر الحمراء من عجائب الدنيا.
* كاتب ومفكر مصري