ما الذي يميّز كلاما عن كلام؟ وما الذي يجعل كتابا يأخذ حضورا وأهمية نوعية أكثر من كتاب آخر؟ وأخيراً ما الذي يضمن لكتاب عمرا أطول من غيره؟ تبادرت إلى ذهني هذه الأسئلة وغيرها حين قرأت، لأول مرة، كتاب «حاشية على اسم الوردة - آليات الكتابة» تأليف أمبيرتو إيكو، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد.
كتاب صغير يقع في 103 صفحات من القطع الصغيرة، عن منشورات «علامات»، بدعم من وزارة الثقافة المغربية 2007، لكنه يقدم أفكاراً ورؤى مهمة ينطق بها الكاتب الإيطالي إيكو، بشأن تجربته في كتابة روايته ذائعة الصيت «اسم الوردة»، ويضمنها «مجموعة من الملاحظات الخاصة بسيرورة التأليف والخلق، وبناء الكون الروائي وتأثيثه». أظن أن هذا الكتاب بحث مهم وضروري جداً لكتّاب الرواية، وتحديداً كتّاب الرواية الشباب، لأنه يضع بين أيديهم عصارة فكر روائي ومؤرخ وناقد من أهم الشخصيات الثقافية المعاصرة، مشيراً إلى أهم العناصر الواجب توافرها في ذهن الكاتب أثناء توجهه الى كتابة روايته. يتناول الكتاب آليات الكتابة، منطلقاً من مقولة: «النص الإبداعي آلة مولدة للتأويلات»، وأن «النص يحتوي على إرساليات كونية تهم كل الروايات وتصدق على كل التجارب»، وهو بذلك يوضح مهمة الكتابة الإبداعية بوصفها متعة إنسانية راقية، قابلة لمختلف التأويلات، تتوجه إلى قارئ مجهول، قد يكون مُتصوَراً في ذهن الكاتب، دون أن يسعى المؤلف إلى تحميل نصه المواعظ المباشرة، ودون أن يحاول في أي مرحلة لاحقة لصدور نصه الإبداعي، تأويل ما جاء في النص، «فالتأويل ليس من شأن المبدع، وعلى الروائي أن يموت لكي لا يشوش على نصه» وبطبيعة الحال، المعنى المقصود بالموت هنا، هو ابتعاد المؤلف عن ساحة تأويل نصوصه. يقدم الكتاب معلومات غاية في الأهمية، في ما يخص وعي المبدع تجاه الإبداع عامة، وتجاه كتابة الرواية خاصة، وتجاه ما يسمى بوظيفة الفن الاجتماعية، ولا ينفصل هذا بأي حال من الأحوال عن وعي المبدع تجاه نفسه كذات لها كينونتها ولها خصوصيتها، مع ضرورة توافر الموضوعية في الكتابة، كون «الفن هو انفلات من الانفعالات الشخصية، فلا يمكن أن نكتب رواية تقتحم التاريخ بالاستناد إلى الأحقاد الصغيرة والانفعالات المصطنعة، فالطاقة الانفعالية لا يمكن أن تتحول إلى إبداع إنساني راق إلا حين تتخلص من الشخصي والعرضي». لقد غدت الرواية خلال العقود الأخيرة من أكثر الأجناس الأدبية انتشاراً في العالم، وإذا كانت هناك مجموعة كبيرة من التحليلات والأسباب التي تقف وراء ذلك، فإنني أرى أن السبب الرئيسي يكمن، في أن الرواية تقدم حياة وخبرة جديدتين للقارئ، وبما يضيف رونقاً ومزاجاً خاصين على لحظته المعاشة، ويقدم له تفسيراً لظواهر الواقع الاجتماعي الذي يحيط به، مضافاً إلى ذلك قدرة الرواية على تقديم نفسها بأشكال فنية متعددة، وقدرتها الساحرة على خلق عالم مواز للعالم الواقعي الضيق الذي يحيا فيه الإنسان. «حاشية على اسم الوردة»، كتاب صغير يتناول عوالم بناء الرواية: الزمان، المكان، المتلقي، اللغة، وهذا كله يأتي بلغة مبدعة، تجعل من القراءة متعة حقيقية.
توابل - ثقافات
حاشية على اسم الوردة
22-04-2008