مواجهة شعبية لمخطط ضرب إيران 1

نشر في 26-04-2008
آخر تحديث 26-04-2008 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد

أحد الأسباب المهمة وراء فشل الرأي العام العالمي وحركة مناهضة الحرب في مواجهة مخطط ضرب إيران يتعلق بعلاقة الدولة الإيرانية بالرأي العام بذاته وفي العالم الغربي بالذات. والمهم أنها لم تطور أبدا سياسات أو توجهات قصدية لكسب وتجييش الرأي العام العالمي ولا بالطبع الرأي العام العربي في ما يتعلق بأي قضية بما فيها قضية المخطط الهادف لضربها.

عجيب وغريب ألا تتدفق مظاهرات أو مسيرات أو بيانات شعبية كبيرة ومؤثرة في الولايات المتحدة ضد خطط إدارة بوش لشن الحرب ضد إيران، خصوصا أنه يقترب من التطبيق كما تقول مصادر متعددة.

قد يكون السبب هو أن هذه الحرب بدت مؤجلة أو هي ذات طبيعة مختلفة ولن تتضمن غزوا بريا أو بقاء قوات كبيرة في أراضي إيران، ومن ثم فهي لم تصبح بعد مجالا للتركيز الاعلامي، وأرى أن هذا عذر أقبح من ذنب، فالإعلام الأميركي يتناول كل شيء تحت الشمس. وإن لم يتناول الإعلام الأميركي والأوروبي هذا المخطط فليس لأن المخطط مؤجل إنما لأن الإعلام جزء من هذا المخطط!

وهذا يختلف اختلافا كبيرا ونحتاج لتفسيره عن مخطط غزو واحتلال العراق، إذ ظل الإعلام بما فيه إعلام ما نسميه بـ«المؤسسة» يناقش ويناقض أقوال بوش وكبار معاونيه حول الحكمة من هذا المشروع والأدلة لما يساق له من تبريرات وذرائع. أما على المستوى الشعبي فبدأت المظاهرات والمسيرات وسائر صور الرفض والاحتجاج قبل عام كامل من تطبيق هذا المخطط ضد العراق. لماذا لا نشهد شيئا مماثلا ضد مخطط ضرب إيران؟

استراتيجية الردع الصلب

أحد الأسباب المهمة وراء فشل الرأي العام العالمي وحركة مناهضة الحرب في مواجهة مخطط ضرب إيران يتعلق بعلاقة الدولة الإيرانية بالرأي العام بذاته وفي العالم الغربي بالذات.

فمن الواضح أن إيران كدولة تفكر في الأمر بصورة عملية أو بالتركيز على المعطيات الصلبة مثل الردع ونظم التسليح والأليات الأخرى للانتقام وليس على المعطيات الناعمة مثل الرأي العام والقانون الدولي ومعنى العدالة والدعاية وغيرها.

والمهم أن إيران لم تطور أبدا سياسات أو توجهات قصدية لكسب وتجييش الرأي العام العالمي ولا بالطبع الرأي العام العربي في ما يتعلق بأي قضية بما فيها قضية المخطط الهادف لضربها. والواقع أن هذا الملمح يكاد يكون استتثناء من منطق الثورات عموما. فجميع الثورات الشعبية عبر التاريخ اهتمت اهتماماً كبيرا للغاية بكسب الرأي العام ليس في بلادها فحسب بل في كل البلاد والمناطق التي يدور أو قد يدور حولها الصراع. ونعلم أن الثورة الفرنسية بدأت الإعلام الجماهيري الحديث بخطابات ودعوات مبهرة للرأي العام الأوروبي. بل إن نابليون لم يتردد عن توجيه بيان للمصريين عندما قرر غزو بلادهم تعهد فيه بالتحالف مع الإسلام بل ادعى أنه مسلم أصلا لكسب ودهم وتسهيل مهمته معهم. ولم تكتف الثورة البلشفية بإصدار خطاب قوي للثورة العالمية بل كونت «الأممية الثالثة» وهو تجمع للحركات والمنظمات الشيوعية المؤمنة برسالة لينين وتروتسكي ثم ستالين لنشر الدعوة الثورية وإنهاء الحرب العالمية الأولى ولو من خلال «الانهزامية القومية». وكذلك فعلت الصين وإن بدرجة أقل من الحمية، وكانت مرحلة الثورة الثقافية مخصصة للدعاية الدولية ونشر الماوية في العالم أجمع. وأغلب الثورات الأخرى بما فيها الناصرية اهتمت اهتماماً كبيراً بالإعلام ونشر الأفكار والصراع الفكري والسياسي عموما ضد خصومها خصوصاً على المستوى الدولي. فلماذا غاب هذا الملمح في خطط الدولة الإيرانية؟

بالطبع لا يمكننا القول إنه غاب تماما. فهناك أنشطة دعائية كثيرة تقوم بها الدولة الإيرانية أو أنصارها. ولكن لا يمكن القول إنها- أي الدولة الإيرانية- اهتمت بمخاطبة الرأي العام العالمي أو حتى العربي اهتماما كبيرا أو منظما أو أنها اعتبرت هذا الخطاب جزءا من خططها السياسية والدفاعية. ولذلك ورغم أن الأمم المتحدة حملت العراق مسؤولية الحرب التي انفجرت بين البلدين عام 1980 فالرئيس العراقي السابق صدام حسين كان نجح في كسب القطاع الأكبر من الرأي العام العربي والعالمي بل نجح في إقناع الرأي العام العالمي بمسؤولية إيران عن انفجار الحرب واستمرارها! وفيما بعد اعتمد الرجل اعتمادا أساسيا على خوض الحرب عن طريق الرأي العام بأكثر من الأسلحة والجيوش.

وربما تلقي المقارنة نفسها بعض الضوء على الاستراتيجية الإيرانية، فرغم كل ما قام به الرئيس العراقي السابق من جهود إعلامية ومن تجييش للحركات الشعبية فهي لم تفده في نهاية المطاف بأكثر من التحول إلى شهيد بعد أن كان مجرد مستبد أو مجرم حرب! ويعني ذلك أننا قد نجد تفسيرا لإهمال إيران هذا البعد الشعبي في أنها تركز على العوامل الصلبة لخوض وكسب الصراع الدولي. بل يمكن أن نقول مع بعض العلماء الآخرين إن استراتيجية خوض الحرب من خلال الرأي العام والاعلام والدعاية قد يقود لخداع الذات وقد يحول الصور إلى حقائق أو يستبدل بها المعرفة الدقيقة بالواقع السياسي والاستراتيجي المعقد.

ولا شك أن هذا العامل يلعب دورا في إقناع القادة الإيرانيين بقلة أهمية الرأي العام العالمي. ولكن هناك جانبا آخر من الصورة وهو أن الدولة الإيرانية تنفرد حاليا بأنها بنت أو نبت ثورة فريدة بدورها: ثورة إسلامية. وإن أضفنا الشخصية القومية الإيرانية التي تنعكس ولو بصورة غير مباشرة إلى أداء رجال الدولة لقلنا إن إهمال النضال الدعائي والفكري على مستوى الرأي العام يعود أساسا إلى نزعة «اليقين بامتلاك الحقيقة» الذي ربما يطغى على فكر هؤلاء الرجال. وقد يمكننا فهم هذه المسألة أن وضعنا النضال الدعائي والفكري في سياقه المنطقي. فهو يشتمل بالضرورة على خوض مناظرات قد تضع الإيديولوجيا الرسمية في اختبار مصداقية. ويتناقض منطق المعارك الدعائية بالضرورة مع الاعتقاد العميق باحتكار الحقيقة أو اليقين بالسلامة الكاملة للسياسات والتوجهات. إن الثورة الإيرانية لم تشأ ببساطة أن تضع أسسها ومنطلقاتها الفكرية والعقدية موضع النقاش على أي مستوى. وهذا قيدها في ما يتعلق بالخطابات الموجهة للرأي العام العالمي.

ولأنها قامت على ثورة دينية إسلامية فهي لم تثق أبدا بأبناء الأديان الأخرى، هي لم تعاد الآخرين وتمتاز بالتالي عن الراديكالية السلفية السنية بأنها لم تصطنع صراعا مطلقا أو جاهزا مع الشعوب غير المسلمة. ولكنها تشارك الراديكالية السنية خصوصا حركة السلفية الجهادية عدم الثقة والشك في الشعوب الأخرى. وقد تصرفت وفقا لهذا الحيز الوسيط بقدر لا بأس به من الثقة بالنفس وليس الثقة بالأخوة الإنسانية أو الأخوة بين الشعوب.

بداية على طريق طويل

وبوجه عام بدأت الدولة الإيرانية في الانتباه لهذا الجانب من النضال ضد مشروع الحرب الأميركية الصهيونية ضدها بذريعة المشروع النووي. وقد ظهر ذلك واضحا في محاولة مد قناة تلفزيون العالم والمنار إلى أكبر حيز ممكن من العالم. وتتبع قناة العالم بالذات استراتيجية إعلامية فيها قدر كبير من المهنية والموضوعية بهدف كسب مصداقية أبعد بكثير من حدود إيران أو حتى العالم العربي والإسلامي، ولكن طريق إيران لكسب الرأي العام الدولي والعربي لا يزال طويلا جدا.

* نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام

back to top