ليس أسهل من التغني بحماية الهوية الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي، لكن ما فائدة ذلك حينما نكون لا نعرف حقاً ما المراد بهما؟! وأخشى ما أخشاه أن تكون دعوة حق يراد بها باطل.
يتكرر الحديث عن موضوع الحفاظ على الهوية الوطنية، وحماية النسيج الاجتماعي الكويتي، هذه الأيام بشكل واضح، حتى وصلنا في الأمس إلى نية بعضهم أو ربما إنشائهم بالفعل لجمعية أو جماعة، لست متأكداً، لحماية ما أسموه بالهوية الوطنية. وبطبيعة الحال، فليس لي أو لأحد أن يعارض أو حتى يعترض على شيء كهذا. كلنا نريد الحفاظ على الهوية الوطنية وعلى النسيج الاجتماعي، ما دام الأمر يُلقى هكذا بعمومياته!
لكنني سأتجرأ على السؤال عن المقصود بتلك الهوية الوطنية التي يراد الحفاظ عليها، وعن ذاك النسيج الاجتماعي الذي يُسعى لحمايته، حتى إن كنت أخشى بأن يكون هذا من قبيل الجرأة غير المحمودة عند بعضهم، وقد يجر إلى ما لا تحمد عواقبه.
وسأضيف إلى السؤال السابق سؤالاً عمّا يسبق الآخر، الحصول على الجنسية الكويتية أم الانتماء لهذا الوطن؟ أي هل يصبح الإنسان منتمياً إلى الوطن بمجرد حصوله على تلك الوثيقة؟ بمعنى أنه قد يمسي غير وطني لأنه بلا جنسية، ويصبح وطنياً في اليوم الآخر لأنه حصل عليها؟ بغض النظر عن الكيفية، سواء على بند الأعمال الجليلة، والتي لا ندري إلى الآن ما معاييرها، التي قد لا يكون صاحبها قد قضى في الكويت أكثر من عدة سنوات، أو على أي بند آخر من البنود التي نعرفها ولا نعرفها، بدعوى أن الجنسية موضوع سيادي (نقول كلمة سيادي همساً بصوت متقطع لأنها من الكلمات الخطيرة والمخيفة)؟ وأيضاً هل وجود درجات وفئات مختلفة تكتب على الغلاف الداخلي لنفس الجنسية يجعل من زيد أكثر وطنية من عبيد؟
أم أن الهوية الوطنية هي الانتماء الحسي والمعنوي للوطن، كأن يكون الشخص موجوداً أبا عن جد على هذا التراب منذ عشرات السنين، اختلطت روحه وأنفاسه والتحم به حتى صار لا يعرف سواه، حتى إن لم يكن يحمل تلك الوثيقة المسماة بالجنسية؟!
ما هي الهوية الوطنية بالله عليكم، يا من تريدون حمايتها أخبرونا؟!
وما هو النسيج الاجتماعي الكويتي الذي تريدون الحفاظ عليه؟ ونسيجنا، والكل يعرف، به ألف خيط وخيط! أهو الخيط البدوي، بقبائله المتعددة، التي لها من الاختلافات فيما بينها الكثير مما يعرفه العارفون، أم تراه الخيط الحضري، الذي هو في أصله عشرات الخيوط، من نجدي وحساوي وزبيري وعجمي وغيرها وغيرها. أم تراكم تتحدثون عن النسيج الاجتماعي المنقوع بألوان المذاهب من شيعة وسنة؟ عمّ تتحدثون بالضبط؟!
هل سيجيبني أحد، صادق وطيب وعلى نياته، بأن كل من يحب هذا الوطن بصدق وخدمه بحق، كائناً من كان، هو وطني؟ وأن كل من عاش على تراب هذا الوطن وعمل لأجله هو وطني؟ وأن كل من ضحى لأجل هذا الوطن وبذل دمه رخيصاً فداه هو وطني؟! سواء أكان بدوياً أم حضرياً، شيعياً أم سنياً؟! مسلماً أم غير ذلك؟!
سأقول إذن كيف هذا وكشوف التجنيس التي لا نعرف ما معاييرها تشهد بعكس ذلك، وآلاف البدون ممن لا يفرقون شعرة عن بقية الكويتيين، لا في عمرهم الذي قضوه على هذه الأرض، ولا في أصولهم، ولا في تضحياتهم لهذا البلد، تشهد أوضاعهم المأوساوية وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية على عكس ذلك!
ليس أسهل من التغني بحماية الهوية الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي، لكن ما فائدة ذلك حينما نكون لا نعرف حقاً ما المراد بهما؟! أملي الوحيد ألا تكون دعوات حماية الهوية الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي من قبيل الحق الذي يراد به الباطل!