الإبتسام ثقافة حياة
بين آن وآخر أذكر تلك الحادثة، فقد كنت في السنة الجامعية الثانية، وكان لي صديق عزيز على قلبي، ولقد تعلق صديقي بزميلة رقيقة لنا، وربطت بينهما علاقة طيبة بنى هو أحلاماً وردية عليها، لكنه اتصل بي في أحد المساءات وكان صوته يقطر بالتوجع، قائلاً:
« لقد انتهت علاقتنا». فاجأتني جملته، فسألته : «علاقتك بمن ؟». وتصدع صوته أكثر وهو يقول: «علاقتي بحبيبتي». حين جلست معه أهوّن عليه، حدّثني بأن صديقته طلبت منه في أحد لقاءاتهما أن يقص عليها قصة مسلية وليست تافهة، وحين سكت عاجزاً عن تلبية طلبها، رمت في وجهه جملتها القاسية : «آسفة لا أستطيع الارتباط بشاب لا يحفظ قصة مسلية». في ذلك العمر، وبسبب من تعاطفي مع صديقي استغربت ردّ فعل صديقته، وواسيته بأنها أرادت إنهاء العلاقة فتحججت بالقصة المسلية. لكنني بعد سنوات اقتنعت بأن الصديقة كانت محقة، وأن شخصاً لا يستطيع أن يرسم ابتسامة على محيّاه، إنما يبعث على الضيق والملل. إن الراصد للمسلك الاجتماعي في الكويت يرى تغيراً واضحاً طفا على السطح خلال العقد الماضي، وهذا المسلك آخذ بالتزايد والانتشار. أعني بذلك التجهّم الذي يغشى الوجوه، وجوه الرجال والنساء، وحتى الشابات والشباب. إن الكثير من شعوب العالم ينظر إلى شعوب دول الخليج العربي بوصفها شعوباً مرفهة ومحظوظة، وأن حياتها مليئة بالسعادة، حتى أن البعض يفغر فاه لحظة يسمع ما يخالف ذلك، فما تراه المحرك وراء تجهّم الوجوه ؟ إن الابتسام ثقافة وأسلوب حياة. فليس أجمل من ابتسامة ودود، ابتسامة عابرة، ابتسامة خالية إلا من بعدها الإنساني البريء، ابتسامة تلوّن وجه صاحبها بالفرح، ابتسامة تقول بالوصل الإنساني السمح والكريم، ابتسامة تبعث على الاطمئنان وتزيل الشك والخوف، ابتسامة تبعث على التفاؤل. الابتسام حياة. فمن يؤمن بالخير سيبتسم، ومن يؤمن بالود السمح بين البشر سيبتسم، ومن يؤمن بالإنسانية سيبتسم، ومن يقتنع بأن اللحظة القادمة تحمل في رحمها الأجمل سيبتسم. ومن يؤمن بالخير يبتسم، وبالمحبة، وبالسلام، وأخيراً من يؤمن بديننا الإسلامي الحنيف يبتسم، فالتبسم في وجه الآخر صدقة. وما أحوجنا إلى صدقات الابتسام.