المتشائِل!!

نشر في 25-11-2007
آخر تحديث 25-11-2007 | 00:00
 صالح القلاب

لابد من التأكيد في «أنابوليس» على أن الأمور الرئيسة العالقة، القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن والمياه، لاتزال عالقة، لكن ما يدعو إلى التفاؤل بالفعل ولو في الحدود الدنيا هو أن الأطراف العربية التي هي على اتصال دائم بالأميركيين بالنسبة إلى هذه المسألة تتحدث عن «جدِّية أميركية... حقيقية وفعلية هذه المــرة»!!

يُبدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) تفاؤلاً حذراً تجاه مؤتمر «أنابوليس»، الذي ستبدأ مشاوراته التمهيدية يوم غدٍ الاثنين، ثم ينعقد في اليوم الذي يليه (الثلاثاء) في جلسته الرئيسة، والإسرائيليون حسب رأيه مازالوا يضعون العراقيل ويسعون إلى إغراق هذا المؤتمر، وهذا التحرك في القضايا الثانوية المتعلقة بالأمن الذي لا يمكن ضبطه واستتبابه إلا بعد عودة الحياة إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وبعد المباشرة بإقامة مؤسسات الدولة المستقلة المنشودة.

وحسب أبو مازن، فإن ما يعتبر مؤشراً إيجابياً أن الرئيس الأميركي جورج بوش شدّد على مبادرة السلام العربية التي حاول الإسرائيليون حذفها من جدول أعمال «أنابوليس» في الدعوات التي وصلت إلى تسع وأربعين دولة من بينها الأربع عشرة دولة التي تشكّل لجنة الاتصال العربية التي شكّلتها قمة الرياض الأخيرة.

وقال أبو مازن إن الجهود التي بذلها الأردنيون والمصريون والفلسطينيون والسعوديون هي التي جعلت الدولة الداعية، الولايات المتحدة الأميركية، توجه إلى سورية دعويين لحضور هذا المؤتمر: الأولى، بصفتها الخاصة، والثانية، على اعتبار أنها أحد أعضاء لجنة الاتصال العربية الآنفة الذكر التي شكّلتها قمة الرياض الأخيرة، وكلّفتها بمتابعة عملية السلام و«ترويج» مبادرة السلام التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليّاً للعهد، وتبّنتها قمة بيروت والقمم اللاحقة وأصبحت مبادرة للعرب كلهم وليس لدولة لوحدها وبمفردها.

ويبدو، حسب كل التقديرات وحسب المعلومات أيضاً، أن سورية لم تكتف في ما يتعلق بقضية الجولان التي تتمسّك بضرورة إدراجها على جدول أعمال «أنابوليس» كشرط لحضور هذا المؤتمر بوعد الرئيس جورج بوش بأنه سيشير إلى هذه المسألة إشارة واضحة في خطاب الافتتاح، ولذلك فإنها دفعت وزير إعلامها محسن بلال إلى إطلاق التصريحات المتشددة التي أطلقها عشيّة القمة الثلاثية المصرية–الأردنية–الفلسطينية وعشيّة الاجتماع العربي الأخير الذي انعقد في إطار الجامعة العربية.

لكن وفي كل الأحوال فإن هذا المؤتمر بدأ يأخذ المزيد من الجديّة مع اقتراب موعد انعقاده، والواضح، كما قيل أكثر من مرة، أن الأهم من الانعقاد بحد ذاته هو ما سيتبعه من مفاوضات، بإشراف دولي يشارك فيه العرب من خلال لجنة الاتصال المشار إليها، إن هي لم تربط بجدول زمني واضح ومحدد فإنها ستُعطى سقفاً أقصاه ستة شهور، حيث يعود «أنابوليس» إلى الانعقاد مرة أخرى ليراجع الأمور وليقول رأيه بصورة نهائية.

وهنا وكي لا يذهب المتفائلون بالتحليق عالياً أكثر من اللزوم فإنه لابد من التأكيد على أن الأمور الرئيسة العالقة، القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن والمياه، لاتزال عالقة، لكن ما يدعو إلى التفاؤل بالفعل ولو في الحدود الدنيا هو أن الأطراف العربية التي هي على اتصال دائم بالأميركيين بالنسبة إلى هذه المسألة تتحدث عن «جدِّية أميركية... حقيقية وفعلية هذه المــرة»!!

ولذلك وفي ضوء هذا كله فإن الفلسطينيين يبدون ارتياحاً واضحاً، ولهذا فإنه يمكن القول إن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) إن لم يكن متفائلاً بالفعل فإنه على الأقل «متشائل» حسب الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي مـــن عرب الـ48 في روايته الشهيرة: «أبو النحْس المتشائل»!!

* كاتب وسياسي أردني

back to top