مدفع الإفطار

نشر في 13-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 13-09-2007 | 00:00
No Image Caption
يقف مدفع الإفطار الآن وحيداً فوق هضبة المقطم لا يكاد يسمع صوته أحد، وسط زحام المدينة وصخب البشر بعد أن كان في الماضي يهز أرجاء القاهرة بطلقاته طوال شهر رمضان، وينبه الناس كل يوم بطلقتين: الأولى لتناول الإفطار مع أذان المغرب والثانية للإمساك عن السحور قبل بزوغ الفجر، هذه العادة الرمضانية التي أحبها المصريون ونقلوها إلى دول عربية أخرى مثل الكويت والإمارات لا يعرف أحد على وجه الدقة متى ظهرت واختلف العلماء والباحثون حول البداية الحقيقية لتاريخ استخدام مدفع رمضان فالبعض يرجعه إلى العصر المملوكي وآخرون يرجعونه إلى ما قبل ذلك بعشرات السنين إلا أن هناك اتفاقاً على اكتشافه بالصدفة عبر قصة طريفة فيقال إنه في أول يوم رمضان عام 859 هـ تلقى الوالي المملوكي خوش قدم والي مصر في هذه الفترة هدية من صديق ألماني فأمر بتجربته وتصادف ذلك مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك يعد تنبيهاً لهم بالإفطار وتوجه مشايخ الحارات والطوائف في اليوم التالي إلي بيت الوالي لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان وأطلق المصريون عليه الحاجة فاطمة.

ومن الروايات المشهورة أن والي مصر محمد علي الكبير كان قد اشترى عددا كبيرا من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجري الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة، فانطلق صوت المدفع مدويا في لحظة غروب الشمس نفسها وأذان المغرب من فوق القلعة الكائنة حاليا في نفس مكانها في حي مصر القديمة جنوب القاهرة، فتصور الصائمون أن هذا تقليد جديد، واعتادوا عليه، وسألوا الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور، فوافق، وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام، ولم تتوقف إلا خلال فترات الحروب العالمية واستمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية، بيد أن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور عدد جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة الفشنك غير الحقيقية، وأدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية. أيضا، كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدرّاسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهر. وقد تغيّر المدفع الذي يطلق قذيفة الإعلان عن موعد الإفطار أو الإمساك عدة مرات، بيد أن «اسم الحاجة فاطمة» عليه لم يتغير، فقد كان المدفع الأول إنكليزيا، ثم تحول إلى ألماني ماركة كروب، وأخيراً أصبحت تطلق خمسة مدافع مرة واحدة من خمسة أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعه كل سكانها، لكن أدى اتساع وكبر حجم العمران وكثرة السكان وظهور الإذاعة والتلفزيون إلى الاستغناء تدريجيا عن مدافع القاهرة، والاكتفاء بمدفع واحد يتم سماع طلقاته من الإذاعة أو التلفزيون، وأدى توقف المدفع في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب واستمرار إذاعة تسجيل له في الإذاعة إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى، ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، بيد أن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى الى نقله من مكانه، خصوصا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية مهمة. ويستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم، وهى منطقة قريبة من القلعة، ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية، ويقوم على خدمة «الحاجة فاطمة» أربعة من رجال الأمن الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك.

back to top