Ad

كرّمت جوائز كوستا الأدبية مؤلف رواية مبدعة عن ستالين في مرحلة الشباب ولكن ماذا عن سائر الديكتاتوريين العظام؟ يغوص المؤرخ دان سناو في أصل أبرز الطغاة الذين مرّوا عبر التاريخ.

ادولف هتلر

إن أوجه الشبه بين هيتلر وستالين في مرحلة الشباب ملفتة للغاية. يتحدّر ستالين من جورجيا الواقعة على مسافة بعيدة من موسكو أما هيتلر فولد في قرية بروناو النمساوية ولم يكتسب الجنسية الألمانية قبل الثلاثينات. التشابه مذهل في الواقع في العلاقة التي كانت تربطهما بوالديهما وتديّنهما المفرط في أولى مراحل العمر وفشلهما في اتمام المرحلة الثانوية واقصائهما اجتماعياً.

إذا ما حدقت في الصور الفوتوغرافية الملتقطة لهما في الصف تراهما في وضعية مماثلة يقفان في طرف القاعة. على غرار خصمه كان هيتلر يتعرّض للضرب المبرح على يد والده مما أدى على الأرجح إلى نشوء رابط قوي بينه وبين والدته، وكانت والدة كل منهما تحبذ انتساب ولدها إلى الكهنوت، كان من المخطط أن يصبح هيتلر كاهناً كاثوليكيا. أثبت كلاهما تمتعه بقدرة واسعة في الدراسة الكهنوتية ولكن الضجر ما لبث أن تسلل إليهما فتوقفا عن الدراسة قبل بلوغ المرحلة الثانوية.

ما كاد هيتلر يكمل الثامنة عشرة من العمر حتى أصبح يتيماً بوفاة والدته في العام 1907 وكان والده لاقى حتفه قبل خمسة أعوام في إحدى الحانات. في السادسة عشرة من عمره انتقل للعيش في فيينا وحلم في أن يصبح فناناً لكنه فشل مرتين في دخول أكاديمية الفنون الجميلة، فقرّر دراسة الهندسة المعمارية. كان «فاغنر» محور هوسه وقتئذ ولم يكن لديه سوى صديق واحد كان يعيش في عوز تام، فقرر كسب رزقه برسم مشاهد من فيينا في لوحات يبيعها الى السواح. ثم وقع في حب فتاة مراهقة تدعى ستيفاني ايزاك طاردها خلسة لأعوام ولكن الشجاعة خانته في التحدث اليها. بعد أن رفض طلب التحاقه بالجيش النمسوي انضمّ الى الجيش الألماني في العام 1914 بعد سلسلة من التوسلات وتعرض إلى مخاطر جسيمة وأظهر شجاعة كبيرة في مواجهتها ونال مدالية الصليب الحديدي وأصيب بجروح مرات وفقد بصره خلال هجوم بريطاني بالغاز السام.

بعد وفاته أدلت شقيقته بتصريح لعله الأفضل على الاطلاق أكدت خلاله أنه كان من المستحسن أن يصبح مهندساً معمارياً.

روبرت موغابي

ولد روبرت موغابي في العام 1924 في قرية ماتيبيري الواقعة شمال غرب ساليسبوري في روديزيا الجنوبية. سرعان ما هجر والده العائلة وهو في سن العاشرة فحاول أحد الكهنة اليسوعيين التعويض عن هذا الفراغ سارداً له القصص فشكّلت مصدر وحي له عن النضال والتحرر من النير البريطاني.

نشأ على النظام الكاثوليكي الروماني وبرع في تحصيله العلمي لكنه كان يحب الانزواء بطبعه ويتجنب التقرّب من الآخرين ويذهب إلى الصيد منفرداً في الأوقات التي لا يكون مسترسلاً في قراءة الكتب.

لعله الأشد كفاءة بين مجموعة الديكتاتوريين الواردة أسماؤهم في هذا التقرير. دخل جامعة فورت هارفي جنوب أفريقيا حيث تعرّف إلى بعض المشاغبين الشباب أمثال جوليوس نيريري وكينيث كاوندا وهيربرت شيتيبو وجاب العالم سعياً وراء العلم، فنال شهادات عدة بما فيها إجازة في الاقتصاد من جامعة لندن ثم عاد إلى روديزيا الجنوبية في العام 1960 وانخرط في صفوف المقاومة الماركسية ضد حكم البيض وهي حركة كانت بمثابة بركان مشتعل. أعجب بالشعب البريطاني وأولع بلعبة الكريكيت واحتساء الشاي وأصر على إكساب أولاده العادات الحميدة التي تتحلى بها الأسرة الملكية بحسب اعتقاده.

قاد المعارضة في البلاد ودخل السجن في العام 1964 وبقي فيه عشرة أعوام حاصداً 3 إجازات اضافية بالمراسلة بما فيها إجازة في الادارة من لندن وهي مفارقة كبرى. صرّح لاحقاً أنه يملك «إجازة في العنف» بالاضافة إلى الاجازات الأكاديمية السبع واستمر في تنظيم الاغتيالات وممارسة التعذيب والانقلابات ضد القوميين السود في بلده بموازاة حكومة روديزيا نفسها. منعه رئيس مجلس الوزراء ايان سميث من الخروج لحضور جنازة ابنه الذي توفي عن عمر 4 أعوام نظراً إلى أنه كان يشكل خطراً على البلاد.

في السبعينات شن حرب عصابات من الموزمبيك وأحكم قبضته لاحقاً على زيمبابواي الجديدة بارتكابه مذبحة اثنية وممارسته سياسة القمع ضد حركات المعارضة وهي سياسة ما زالت معتمدة حتى يومنا هذا.

فيدل كاسترو

كان والد فيدل الخندرو كسترو روز مغترباً ثرياً من غاليسيا، أبلى بلاء حسناً في كوبا وارتبط بخادمة منزل تدعى لينا روز غونزالس في علاقة حب دامت طويلاً.

ولد فيدل عام 1926 فحمل شهرة روز في البداية ورافقته صفة الزنا وصمة عار على جبينه، من ثم سبب له انتقاله إلى منزل آخر مكث فيه حتى نهاية سن المراهقة صدمة أخرى. في غضون ذلك أبطل والده زواجه فعقد قرانه على والدة كسترو واعترف بأولاده الستة، عندئذ استبدل فيدل شهرة روز بشهرة كسترو.

كان تلميذاً ناجحاً برع في مجال الرياضة وتنقّل بين عدة مدارس داخلية قبل أن ينتهي به الأمر في مدرسة تابعة للرهبانية اليسوعية في هافانا في العام 1945. في سن الثانية عشرة كان شديد التأثر بالرئيس الأميركي فرنكلن روزفلت لدرجة أنه كتب له رسالة اعجاب واصفاً إياه بالصديق الوفي وطالبه بمبلغ 10 دولارات.

عندما أصبح طالباً قاده حماسه إلى الانخرط في السياسة مؤمناً بوجوب الحدّ من نفوذ الولايات المتحدة اعتقاداً منه أن هذا التحول سيساهم في انتشال فئات واسعة من الشعب من الفقر الذي تتخبط فيه واستعادة الكوبيين القدرة على التحكّم بالقضايا السياسية الخاصة بهم. مارس مهنة المحاماة مكرساً عمله للفقراء وتزوج من طالبة تنتمي إلى أسرة ثرية تدعى ميرتا دياز بالارت. راوده في تلك الفترة حلم ممارسة العمل السياسي، فقدم ترشيحه إلى مقعد نيابي ولكن الجنرال فولغنسيو باتيستا ألغى هذه الانتخابات خلال انقلاب نفذه في العام 1952. بعدما أدرك عدم جدوى الطرق القانونية رأى أن الثورة هي السبيل الوحيد لوصوله إلى الحكم، فشن حرب عصابات تمثلت الخطوة الأولى منها باستهداف ثكنة في هجوم تكبّد خلاله هزيمة نكراء وألقي في السجن. عندما أطلق سراحه بعد عامين فرّ إلى مكسيكو في العام 1955 وفي ديسمبر من العام 1956 اجتاح كوبا برفقة 81 من أتباعه على متن يخت في هجوم أودى بحياة حوالى 20 شخصاً فاتجه كسترو نحو الجبال لانشاء مجموعة جديدة وكانت هذه البداية مشؤومة.

ماوتسي

ولد ماو في العام 1893 في أسرة ريفية في مقاطعة هونان الواقعة وسط الصين. كان والده قادراً على دفع أقساطه المدرسية غير أنه أجبر على العمل بكدّ في مزرعة العائلة. كان يمارس هواية السباحة في أوقات الفراغ عند الانتهاء من قراءة القصص الرومانسية والتاريخية والغوص في مؤلفات كبار المفكرين في الصين القديمة. حارب لفترة قصيرة إلى جانب جيش الثوار في انتفاضة العام 1911 التي وضعت حداً لأكثر من ألفي عام من الحكم الأمبراطوري. بعد انهاء دراسته سافر إلى بكين وعمل كأمين مكتبة مساعد وانتسب إلى الجامعة كطالب بنصف دوام.

اعتنق الشيوعية وأصبح من الأعضاء المؤسسين للحزب الشيوعي الصيني في العام 1921 مع أن الوعد الذي تلقاه بنيل وظيفة وراتب من الاتحاد السوفياتي أثّر فيه على الأرجح بقدر الايديولوجية الماركسية. في جميع الأحوال كانت هذه بداية كفاح سياسي وعسكري دام عقوداً من الزمن ولم ينته إلا في العام 1949 . رفض العقيدة الشيوعية التقليدية الموجّهة إلى الطبقة العاملة (بروليتاريا) في المدن إدراكاً منه أن لا وجود لمثل هذه الطبقة في الصين وركّز على الفلاحين فقرر الانطلاق منهم لتنفيذ ثورته. كان عديم الشفقة إلى أقصى حدّ ممكن ولم تبد معالم الحزن العميق على وجه زوجته الأولى التي تخلى عنها ماو في هونان في بداية الثلاثينات لدى تعرّض زوجته الثانية للتعذيب والقتل على مرأى من ابنهما البالغ ثمانية أعوام.

بادئ ذي بدء تحالف ماو والشيوعيون مع القوميين الصينيين أي الكوومنتانغ ضد أمراء الحرب الذين سيطروا على أجزاء واسعة من الصين.

لكن ما لبث أن انقلب القوميون على الشيوعيين وفي العام 1934 بعد تطويق الشيوعيين في جنوب الصين الذين ساروا خلف ماو في «المسيرة الطويلة» أو رحلة ال6000 ميل التي نظمها لانشاء قاعدة جديدة في مناطق شمال غرب الصين النائية وهناك، قام بتعذيب وقتل كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي بوحشية فائقة. لدى اندلاع الحرب مع اليابان بدا مهتماً بأعدائه الصينيين أكثر من المحتلين اليابانيين.

نابليون بونابرت

ما يثير الاستغراب هو أن نابليون على غرار هيتلر وستالين كان من منطقة واقعة في الأطراف الجغرافية للبلد الذي سيحكمه ذات يوم. ولد نابليون دي بونابرت في اجاكيو في جزيرة كورسيكا في 15 أغسطس من العام 1769 بعد أقل من عام على انتقال الجزيرة إلى فرنسا على يد جمهورية جنوا وكانت عائلته تنتمي إلى طبقة النبلاء الايطاليين ولغته الأم هي الايطالية. لم يتعلم الفرنسية إلا بعد انتسابه إلى مدرسة عسكرية فرنسية ولم يتقن اللفظ يوماً، على غرار ستالين ظلّت لهجته غير واضحة لما تبقى من حياته. توفي والده وهو في ال15 من عمره فاضطر إلى إعالة والدته وأشقائه الذين كانوا يجهلون أن شقيقهم سيسلمهم يوماً مقاليد السلطة الملكية في اسبانيا وهولندا ووستفاليا ونابوليس وكانت والدته الأكثر تأثيراً في حياته، اعترف لاحقاً أن الفضل الكامل في نجاحه يعود إليها.

لاحقاً وصفه النقاد بأنه كان يتحلى بصفات القائد عندما كان لا يزال على مقاعد الدراسة فينفّذ أعمالاً بطولية كصدّ الأعداء في معارك بكرات الثلج، إنما ليس ما يثبت هذا الافتراض. كان هادئاً ومنعزلاً لا سيما أن الفتيان الفرنسيين الأثرياء كانوا يسخرون من لهجته وخلفيته وكان أساتذته يؤكدون بأنه جدي في عمله ولكنه «لا يجيد الرقص والرسم». لم يشكل هذا النقص في الواقع عائقاً أمام دخوله مدرسة المدفعية وهو المجال الذي يتطلب احترافاً وامتلاك مؤهلات أكيدة في جيوش الأنظمة القديمة، حتى هناك شعر بأنه ضحية الاضطهاد بفعل الرتب والتسلسلية وعند قيام الثورة في فرنسا اعتنق مبادئها بلا قيد أو شرط.

أفسحت الفوضى التي كانت قائمة والعصيان المسلّح والحرب في المجال أمامه لإثبات مواهبه وحقق تقدماً كبيراً بسرعة غير منظورة فأثبت في أقل من عقد أنه من أعظم القادة العسكريين الذين مروا في التاريخ.

بول بوت

ولد بول بوت أو «الأخ الأول» في شهر مايو من العام 1925 في كمبوديا الوسطى في قرية هادئة مكوّنة من منازل خشبية قائمة فوق نهر ستانغ سان وكان ينتمي إلى أسرة ثرية من البوذيين الأتقياء الذين يملكون صلات اجتماعية ممتازة وكانت شقيقته خليلة الملك الألعوبة. نتيجة لذلك نال تربية مميزة والتحق بسلسلة من المدارس الكاثوليكية التي أسستها سلطات الاستعمار الفرنسي ويذكر أشقاؤه أنه كان «طيباً ولطيفاً» في طفولته.

في العام 1949 نال منحة لاكمال دراسته في باريس حيث انضم الى الحزب الشيوعي الفرنسي ورسب في الامتحانات لثلاثة أعوام على التوالي ولكن المفارقة هي أن هذا السجل الأكاديمي الرديء مهّد له الطريق لبناء مسيرة ناجحة في صفوف الشيوعيين الذين كانوا يمقتون الطبقة المثقفة، فرأوا فيه فلاحاً مخلصاً ومفتاحاً يشرّع أبواب الثورة أمامهم. في المساء كان يتحلّق حوله الزوار في شقته القائمة في الحي اللاتيني فيشعل الحماس في قلوب الأغبياء ومعتنقي المبادئ الماركسية الجدد معتمداً على الجاذبية التي يتمتع بها. عاد إلى كمبوديا في العام 1953 بعد الغاء منحته فأصبح أحد قادة الحركة الشيوعية الخفية الخمير الحمر مع انه كان يعلّم في النهار مادتي الأدب والتاريخ الفرنسي في إحدى الكليات الخاصة. لا شك في أن أتخاذ هذا الخيار أثار استغراب البعض لا سيما أن سمعته السيئة تعود إلى الكره الذي يكنه إلى المثقفين الأجانب وسكان المدن وطبقة الميسورين.

نالت كمبوديا استقلالها في العام 1954 فنشبت على أثره الصراعات التي تشهدها عادة فترة ما بعد الاستعمار. نظراً إلى أن القوميين والشيوعيين وسائر التنظيمات كانوا يحاربون من أجل الاستئثار بالغنائم وعلى غرار الديكتاتوريين أمثاله كان بول بوت يثق بالأحكام القاسية التي يطلقها ويتمتع بسحر فائق وصعد نجمه في ظل الفوضى التي كانت تعمّ البلاد وهزمت الأنظمة الرجعية في ذلك الحين بفعل الانقلابات المنفذة فأصبح الحكم عرضة للتدخلات الأجنبية وتمرد الفلاحين.