Ad

من أهم هذه التحولات أو التراجعات التي أقدمت عليها الجماعة الإسلامية أنهم رأوا أن السادات قتل شهيداً كما قال زعيمهم «كرم زهدي» ويرى الشيخ «ناجح إبراهيم» مفكر الجماعة في كتابه «الإسلام وتحديات القرن 21» أن الصلح جائز مع إسرائيل مستشهداً بهدنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، وأن «الجهاد» وسيلة وليس غاية.

شهدت الساحة المصرية على امتداد السنوات العشر الأخيرة سلسلة من عمليات المراجعات الفكرية والفقهية قامت بها الجماعات الأصولية المتشددة التي كانت وراء أحداث العنف على امتداد العقود الأخيرة من القرن الماضي في مصر، هذه المراجعات تعد بمنزلة اعترافات علنية صريحة من قبل هذه الجماعات بأنها ضلت الطريق، ولذلك فهي تريد تصحيح أخطائها الفكرية وتعلن توبتها على الملأ عبر عمليات المراجعة النقدية لطروحها الفقهية وسلوكياتها السياسية الخاطئة حول شرعية العنف والقتل والتكفير والحكم بجاهلية المجتمعات الإسلامية، ولعلّ أولى تلك المراجعات الأصولية ما بدأته «الجماعة الإسلامية» التي كانت وراء سلسلة من عمليات العنف، أبرزها مقتل الرئيس السادات -رحمه الله- في 6/10/1981، فقد قام القادة التاريخيون للجماعة بإعلان مبادرتهم حول وقف العنف في 5/6/1997، من طرف واحد، وهم في أعماق السجون والمعتقلات، إلا أن هذه المبادرة الإيجابية لم تُحمل على محمل الجد ولم تحظ باهتمام واسع لا من قبل الإعلام المصري ولا السلطات، بل كانت هناك شكوك واسعة حولها، ومع ذلك حظيت الجماعة ببعض التسهيلات داخل السجون وخارجها وأفرجت السطلات عن آلاف المعتقلين من الجماعة والمتعاطفين معهم الذين كانوا معتقلين بقانون الطوارئ من دون صدور أحكام قضائية ضدهم، وكان لابد من مرور عدة سنوات حتى تتأكد جدية التوبة وصدور قرار جماعي باعتماد المبادرة من قبل «مجلس شورى الجماعة» في24- 3- 1999 وقيام الجماعة بإصدار 7 كتب منها 4 باسم «تصحيح المفاهيم والمراجعات» عام 2002، و3 كتب بعد خروج أمير الجماعة «زهدي» وإطلاق سراحه في 9/29/2003 وتبع ذلك إطلاق سراح ألف من أعضاء الجماعة المقدّر عددهم بـ50 ألفا، منهم 14 ألفاً في السجون، ثم كرّت السبحة الأمنية لتخرج حباتها المعتقلة تباعاً حتى تم الإفراج عن آخر الأسماء المهمة عام 2007 مع حلول الذكرى العاشرة لمبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة قبل عشر سنوات، وبذلك أقفل الملف الأمني للجماعة لتتحول إلى جماعة سياسية-اجتماعية-دينية سلمية تنبذ العنف وتقبل بالتعددية والحوار أسلوباً للمعارضة وتمارس العمل الدعوي والاجتماعي في إطار القانون والنظام العام.

وقد تكون هذه النتيجة الإيجابية هي التي أغرت الجماعية الأصولية الأخرى «جماعة الجهاد» لإعلان مبادرتها التي سميت «ترشيد الجهاد» على يد فقيه الجماعة «سيد إمام عبدالعزيز الشريف» المعروف بالدكتور «فضل» صاحب الكتابين المرجعيين للجماعة وهما «العمدة في إعداد العدّة للجهاد» و«الجامع في طلب العلم الصحيح» والغريب أنه طبيب جراح لكنه حفظ القرآن في الصغر واهتم بدارسة الفقه والتفسير.

وأصبح المنظّر الشرعي لجماعة «الجهاد» وأميرها، لكن مراجعات د. فضل التي جاءت في 111 صحفة تعتبر أهم مراجعات «الجهاد» على الإطلاق بعد 10 سنوات على مراجعات الجماعة الإسلامية، وجاء الإعلان عنها في ذكرى «مذبحة الأقصر عام 1997» بعنوان «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم وفق الضوابط الشرعية» والتي أثارت موجة واسعة من الانتقادات والتلاسن الحاد بين قيادات الجماعة في الداخل والخارج خصوصاً من قبل «د. هاني السباعي» المقيم في بريطانيا الذي شكك وهاجم المبادرة، ومن قبل «مجلس شورى جماعة الجهاد في الخارج» الذي حذّر من سماهم شباب الأمة من الإصغاء لمراجعات خريجي السجن، واتهم د.فضل بأنه «معول هدم وتثبيط للمجاهدين» وأوضح بيانهم المنشور في موقعهم الأصولي، وقد كتبته مجموعة «الجهاد» القديمة الموجودة مع الظواهري- الحليف الأول لـ«بن لادن»: «نريد أن نبيّن للجميع أن ما ذكره الشيخ فضل من اتهامات لقيادات المجاهدين وتشكيك في نياتهم فإن الحقيقة تقتضي مسؤوليته الأولى عن كل ما حدث من أخطاء، كيف لا وقد كان الأمير الأول في الجماعة»، وعلى العموم وبغض النظر عن هذا الخلاف بين الداخل والخارج فإن الذين في الداخل، وعددهم ألفان وقّعوا على المبادرة ليتمّ الإفراج عن أغلبيتهم وليغلق الملف الأمني لـ«الجهاد» تبعاً للجماعة الإسلامية.

الآن دعونا نتعرف على أبرز الملامح الفكرية والسياسية للمراجعات لكل من الجماعة الإسلامية و«الجهاد»: كما أسلفنا فقد أصدرت الجماعة الإسلامية 7 كتب لتشرح موقفها الجديد من تحولها الفكري من جماعة تعتنق العنف والتطرف إلى جماعة دعوية تؤثر السلام والنصح والدعوة بالتي هي أحسن.

وقد ترجمت الجماعة بعض تحولاتها إلى الإنكليزية ونشروا كتبهم على نطاق واسع وبدأوا بتدريس أبحاثهم الشرعية في سجون المحافظات المختلفة محدّدين الأسس الشرعية لتحولهم إلى العمل السلمي.

ومن أهم هذه التحولات أو التراجعات أنهم رأوا أن السادات قتل شهيداً كما قال زعيمهم «كرم زهدي» ويرى الشيخ «ناجح إبراهيم» -مفكر الجماعة- في كتابه «الإسلام وتحديات القرن 21» أن الصلح جائز مع إسرائيل مستشهداً بهدنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، وأن «الجهاد» وسيلة وليس غاية، ولذلك ينتقد العرب لرفضهم قبول تقسيم 1948ويقول «لو قبل عرفات مقعد التفاوض الذي عرضه عليه السادات مع إسرائيل لكانت له دولة منذ عام 1977. وإن سورية فوّتت على نفسها الفرصة، برفضها التفاوض في السبعينيات مع إسرائيل وتتمنى اليوم ما رفضته بالأمس»، وتنتقد الجماعة «طالبان» لأنها فرضت العزلة على نفسها، وحين تربعت على الحكم لم تعمل مصالحة وطنية، وكذلك الحركات الإسلامية لإغفالها خيار الصلح كخيار استراتيجي.وبالنسبة لطروح سيد قطب يرى القادة التاريخيون للجماعة أن «قطب» أديب وليس بفقيه، وأنه من الخطأ التعامل مع مصطلحات الحاكمية والجاهلية باعتبارها من أصول الفقه، ولذلك يرفضون الحكم على المجتمعات الإسلامية بأنها ديار كفر لمجرد عدم تطبيق الشريعة، ويعذرون الحاكم في عدم تطبيق الشريعة بسبب التحديات العالمية، ولا يرون بأساً في الاحتكام إلى القوانين المدنية في ما يتعلق بالربويات والجنايات للضرورة... وأما الديموقراطية الغربية فإن فيها ما هو صالح ومتفق مع مبادئ الإسلام بما فيها فكرة الأحزاب.

...يتبع * كاتب قطري- تنشر بالمشاركة مع «الوطن» القطرية