صحف جديدة ... فمن يستطيع الصمود؟!

نشر في 04-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-01-2008 | 00:00

أمام الصحف الكويتية اليومية مشهد مختلف تماماً عما كان عليه الوضع سابقاً قبل إفساح المجال للتراخيص بصدور القانون الجديد للمطبوعات والنشر، ويحمل هذا المشهد قضايا كثيرة كالمنافسة المهنية والتجارية ومحاولة جذب القارئ، إضافة إلى القضايا اللوجستية الضرورية لتأسيس الصحف، فكيف سيواجه ملاك تلك الصحف هذا المشهد؟

السادس من مارس 2006، سيكون محطة تاريخية تُذكر بعد أول محاولة جرت لتعديل قانون المطبوعات والنشر عام 1971، التي دشنها النائب الراحل سامي المنيس، ليكون مادة للشد والجذب بين الحكومة، التي أرادت إبقاء القانون على ما هو عليه، وبين المجلس الذي حاول كثير من أعضائه اجراء تعديلات تتّسق مع بنود الحريات التي نص عليها الدستور في الكويت.

يؤرخ الباحثون بدايات العمل الصحافي في عام 1928، عندما انطلقت مجلة «الكويت» لمؤسسها المخرج عبدالعزيز الرشيد، لكن تقنين هذه المهنة كان في عام 1961، عندما صدر قانون المطبوعات والنشر الذي تغولت فيه السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء، في السيطرة على جميع الاختصاصات - ترخيصا وتعطيلا ورقابة - من دون منح القضاء أي دور للفصل في المظالم الصحافية، لكن مجلس الأمة أنهى جولة أولى من المعركة امتدت منذ 26/12/2005، حينما أدرج قانون المطبوعات والنشر على جدول اعماله، وحتى 6/3/2006، حينما حسم النقاش بموافقة 53 نائبا من اصل 64 على القانون الحالي، الذي يرى كثيرون أن الايجابيات الجوهرية التي جاء بها، هي اطلاق حرية اصدار الصحف السياسية، وتظلم طالب الترخيص أمام القضاء، ووقف الاغلاق الاداري إلا بحكم من القضاء.

وبصدور القانون الجديد، متزامنا مع النقاش الدائر حاليا بشأن تطوير العمل السياسي، من خلال الاقتراحات بقوانين الخاصة بتنظيم الاحزاب، التي تقدمت بها بعض الكتل السياسية، سيتولد جرّاء هذا النقاش في نهاية المطاف دعم للعمل الحزبي، من خلال اتاحة الفرصة لجميع التيارات والكتل الحالية للتعبير عن آرائها، من خلال توسيع ملكية وسائط الاعلام - الصحف تحديدا - ومن دون حجر، كما كان عليه الوضع السابق.

وبرغم الانتقادات التي نالت القانون الجديد من خلال ابقائه على عقوبة الحبس التي تجد منفذا لها من خلال قانون الجزاء، بما تؤكده المادتان (26) و(27) من قانون المطبوعات، لكن كثيرا من المعارضين له - وبعضهم ملاك صحف - آثروا صدوره للحصول على «حسنة التراخيص»، ومن ثم مواصلة النضال لتعديل كثير من مواده، لاسيما تلك المتعلقة بالغرامات المالية الباهظة، التي يأخذها صاحب الصحيفة بعين الاعتبار، اذا ما اعتبرنا ان جزءا من اهداف تأسيس واصدار صحيفة هو الاستثمار المالي.

اليوم نحن امام (11) صحيفة يومية، ويتوقع خلال عام 2008 ان يرتفع العدد الى اكثر من ذلك، هذا بخلاف اعداد طالبي التراخيص، ففي شهر سبتمبر من عام 2006 وصل عدد الطلبات الى 110، كما صرح بذلك وزير الاعلام الاسبق محمد السنعوسي الذي استقال في ديسمبر 2006، وتتنوع تلك التراخيص بين صحف مسائية واخرى باللغة الانكليزية وثالثة تريد التحول من مجلات اسبوعية الى يومية، اضافة الى التراخيص بطلب صحيفة يومية.

ومع غياب احصاءات قريبة من الدقة بشأن حجم القرّاء ومعدلات توزيع الصحف المتداولة قبل اقرار القانون الحالي، فان الارقام التي يتداولها بعض ملاك الصحف عن عدد القراء يقف عند الـ 120 الف نسخة - زائداً او ناقصاً بهامش قليل - فيما يصل حجم التوزيع إلى 250 ألف نسخة للصحف السبع الصادرة قبل القانون الجديد، لكن نعود إلى القول إن هذه ارقام غير رسمية.

وامام ذلك، فان اسئلة عديدة يمكن طرحها بشأن الوضع الصحافي الكويتي الجديد، وربما يأتي اهمها واكثرها شيوعا ما ستقدمه كل هذه الصحف، وما سيأتي بعدها من جديد للصحافة الكويتية، التي كان يقال انها عربية الهوى وذات صلة بالعالم اكثر، قبل عقد التسعينيات، حتى انكفأت بعده على الشأن المحلي الى حد الغرق، وثانيا: كيف ستغطي الصحف الجديدة حاجتها من العاملين في المهن الصحافية كالتحرير والاخراج والتصوير، وغيرها من الفنون، في ظل محدودية الكوادر البشرية الوطنية، والقدرة المحدودة ايضا على استقطاب الصحف لعناصر غير كويتية، مع الاخذ في الاعتبار التكاليف المالية لتشغيل هؤلاء.

كما يأتي موضوع حجم الاعلان التجاري الصحافي، ليشكل هاجسا لكل صحيفة، فان كان حجم الاعلان الصحافي مداخيله المالية ينظر إليها كرقم، فان الحديث عن توزيع ذلك الحجم على 11 صحيفة بدلاً من 7 يومية، يبقى سؤالا مهما، خاصة اذا علمنا ان قيام الصحف يستمر مع الاعلان التجاري الذي هو سيد الموقف في النهاية.

وقد يبدو اطلاق بعض الاحكام على مدى صمود صحف معينة في القادم من الزمن، ضربا من التسرع، خاصة اذا تذكرنا ان عمر اول صحيفة ولدت بموجب القانون الجديد هو سنة واحدة، وهي صحيفة «عالم اليوم» التي صدرت في يناير 2007، تلتها «الوسط» في مايو، و«الجريدة» في يونيو، و«النهار» و«اوان» و«الشاهد»، والأخيرة تحولت الى يومية في سبتمبر من عام 2007، لكن برغم قصر المدة، فان جميع الصحف الحالية - او ملاكها بالاحرى - ينتظرون نضج الكثير من العوامل، منها سوق الاعلان التجاري وحصة كل صحيفة منه، اضافة الى التكاليف المالية مقابل العائد، والتطور المهني وأهمية الحفاظ عليه للمنافسة مع الصحف الاخرى، والفاقد من الكوادر الصحافية بسبب الاغراءات المادية التي تحاول بعض الصحف تقديمها، ومدى صمود هذه الاخيرة في الاستمرار بتقديم تلك الاغراءات مع مرور الزمن، وغيرها من العوامل... لأخذ القرار النهائي، فإما الاستمرار... او التوقف وبيع التراخيص لفارس آخر يريد الدخول إلى حلبة الصحافة.

وعلى صعيد مهني، يتوقع مع اشتداد المنافسة بين الصحف وسخونة الأوضاع السياسية المحلية، ان تلجأ الصحف الى اسلوبين في معالجة ما يطرح من قضايا، الاول ما نلاحظه فعلا من خلال التأجيج والاصطفاف من دون الحرص على الموضوعية في علاج اكثر القضايا تشابكا، والثاني محاولة المعالجة المبنية على أخذ مقدرات المجتمع الرئيسية بعين الاعتبار، وعلى رأسها طبيعة النظام السياسي، والديموقراطية واحترام الدستور وافساح المجال للرأي والرأي الآخر.

وبين هذا وذاك، سيتم اللجوء الى اساليب او اسلحة جانبية، منها الاغراءات الاخرى التي لا علاقة لها بالخدمة الصحافية، طمعا في زيادة عدد القراء وتحصيل الاشتراكات، كالجوائز والهدايا، وهي اغراءات لم يثبت حتى الآن جدواها في اختيار القارئ لاسم جريدته المفضلة، فالقارئ في النهاية يتبع الخبر. ومن دون شك، فان الصحف اليومية ستعيش معضلة عدم وضوح الخط الفاصل بين الملكية والادارة، وهو ما يصِم الكثير من الصحف الكويتية، كونها صحفا عائلية، وهو وصف غير معيب اذا ما تم تحييد مسألة التوجيه والتدخل في الادارة.

وكمحصلة نهائية، فإن التطور الذي طال الجسم الصحافي في الكويت، سيعود بالنفع على القارئ الذي اصبح امام خيارات اوسع من ذي قبل، من زاوية ازدياد عدد الصحف اليومية التي حتما ستنجح في حال انتهاجها خطا مهنيا مستقلا.

back to top