جميع مشاكل الصحة أصلها إداري
يشكو القطاع الصحي في الكويت من قلة عدد المستشفيات، ومن هجرة العديد من الأطباء ذوي الكفاءة العالية، لذا يجب تضافر مجلس الأمة ووزارة الإعلام مع وزارة الصحة، كي يستعيد المواطن لثقته بالجهاز الصحي في الكويت.
لم يسفر اسناد حقيبة الصحة الى ثلاثة وزراء في أقل من عام عن شيء، فوزارة الصحة تشتكي من العديد من الأمراض، وفي حاجة الى تكاتف الجهود وتضافرها لانتشالها مما هي فيه.واذا كانت «الصحة» كما عرفتها منظمة الصحة العالمية هي حال من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والروحية والرفاة الاجتماعي، وليست مجرد انعدام المرض أو الإعاقة، فان الوضع الصحي في أي مكان في العالم يقوم على ثلاثة محاور رئيسية هي: «العامل البشري، والمباني والأجهزة، ومدى ثقة المواطن بالوضع الصحي»، واذا ما قيمنا الوضع الصحي في الكويت بناءً على تلك المحاور، فسنلاحظ أنه يعاني وجود خلل فيها جميعا، فاذا بدأنا من المحور الثاني «المباني والأجهزة»، فلعله قد يكون سببا رئيسيا في تدني المستوى الصحي في الكويت، حيث لم تنشأ أي مستشفيات منذ الثمانينيات بالرغم من توسع الكويت عمرانيا وسكانيا، بل إن التعديلات والتحديثات الحاصلة على المستشفيات أصبحت تشكل عبئاً على الدولة دون الإضافة الفعلية الى عدد الأسرة أو السعة الاستيعابية، كما أن المركزية في استقدام الأجهزة والمعدات جعلت من الصعوبة توفير الأجهزة خلال فترة قصيرة.وفي ما يتعلق بمدى ثقة المواطن بالوضع الصحي، فان قضية العلاج في الخارج هي أكبر دليل على وجود خلل في هذا الجانب، فهذا الجانب يتطلب تضافر جهود أكثر من جهة، لبناء ثقة كل من المواطن والمقيم في الوضع الصحي بالكويت، خصوصا وزارتي الصحة والإعلام، ومجلس الأمة.ولعل أيضا من أهم أسباب تراجع الوضع الصحي وانعدام ثقة العديد من المواطنين والمقيمين فيه، هو أن تقديم الخدمة ما زال سائرا بنظام توارث الطرق التقليدية في تقديم الخدمة الصحية، من دون السعي الى تبني آلية محددة لتحسين الوضع الصحي، وتعاني المؤسسات الصحية ضعف الخدمات الصحية، وتشتت خدمات الرعاية الصحية، وكذلك ضعف البرامج التوعوية ببعض الأمراض، كأمراض السكر والقلب. وبالرجوع الى المحور الأول (العامل البشري)، الذي يتمثل في الأطباء والهيئة التمريضية والفنيين والإداريين، فإن ظاهرة هجرة الأطباء، التي انتشرت أخيراً في وزارة الصحة، هي أكبر دليل على وجود خلل في تقدير العامل البشري، الذي يمثل العمود الفقري للعملية الصحية، حيث استقال ما يزيد على 50 طبيبا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ممن يحملون تخصصات مهمة، وهذا يرجع إلى وجود خلل واضح في مسألة تقدير عملهم، حيث لا تلتزم جميع أقسام وزارة الصحة بذات المعايير التي وضعها الديوان للترقيات، فمثلا يوجد تعسف كبير في أقسام الجراحة، من حيث إضافة شروط على ترقية الجراحين، في حين يتم استقدام جراحين من الخارج على وظيفة استشاريين من دون التأكد من مؤهلاتهم العلمية، «كما تبين في استجواب وزير الصحة السابق»، علما بأن أغلب الأطباء الكويتيين الذين استقالوا يعاملون كاستشاريين في كندا وأميركا، بل وحتى في دول الخليج المجاورة. وقامت وزارة الصحة ومن خلال إدارات سابقة بإضافة شروط للترقيات قد تكون شروطا تعجيزية، جعلت من الصعوبة استيفاء الطبيب شروط الترقية في المدة المحددة، وحتى لو استوفى الطبيب هذه الشروط، فإن الأمر يستلزم وجود موافقة من اللجنة الفنية، ويشترط وجود شاغر!، وبالرغم من مطالبات العديد من الجهات بإزالة تلك الشروط، والعودة الى شروط ديوان الخدمة المدنية، فإن الكادر قد اخترع وجود وظيفة اختصاصي واختصاصي أول، وهذه المسميات قد أوجدت حتى لا يعطى الطبيب وظيفة استشاري مبكراً.وقد قام مجلس الخدمة المدنية أخيراً بالتعديل على كادر الأطباء بعد فترة 13 سنة من العمل به، لكن هذا التعديل أتى مخيباً لآمال الأطباء لعدة أسباب، منها أن الزيادات جاءت بأقل من 50 في المئة، مما هو مقترح في التعديل الذي تقدمت به وزارة الصحة نفسها.كما جاءت بعض البدلات اسمية وليست فعلية مثل بدل الإشراف، حيث حرمت فئة المسجل أول وفئة الاختصاصيين بشكل كبير من هذه البدلات التي تمثل 20 في المئة من الزيادة في الكادر، كما حرم عدد كبير من الأطباء من بدل الاختصاص النادر، حيث إن هذه الزيادة احتسبت في زيادة الكادر، لكنه لم تستفد منها إلا فئة قليلة من الأطباء، بالإضافة الى أن زيادة التخصص النادر وبدل الاختصاص يتم استقطاعها من الطبيب الذي يتمتع بالجمع بين العمل الحكومي والعمل الخاص، مما يعني أن الطبيب في هذه الحالة يفقد 500-1200 د.ك من راتبه عند تمتعه بهذه الميزة، في حين لا يتم استقطاع هذه البدلات من الأطباء أعضاء هيئة التدريس في الجامعة رغم تأديتهم العمل نفسه.وقد أقر ديوان الخدمة المدنية زيادة عمل إضافي على ساعات الخفارة الزائدة على المعدل المسموح، لكنه تم استقطاع بدل الخفارة من الطبيب عند تمتعه بالإجازة، بالرغم من قيام باقي فريق الخفارة بتأدية العمل كاملاً، ولم تتم زيادة بدل السكن منذ صدور الكادر 1993 رغم غلاء المعيشة في الكويت، ويحرم الطبيب المبتعث من بدل طبيعة العمل وبدل الخفارة، رغم قيامه بأداء طبيعة العمل نفسها أثناء تدريبه في الخارج، إن لم يكن أخطر، كما يقوم بأداء الخفارات بشكل أكبر.كما يمنح الطبيب اجازة دورية مدة 35 يوما في السنة، حتى تتجاوز خدمته 15 سنة بالرغم من قيامه بالعمل أيام العطل الأسبوعية والعطل الرسمية والأعياد، في حين يتمتع أعضاء كادر التحقيقات والعسكريون بإجازة دورية 60 يوماً منذ اليوم الأول لعملهم. وقد برزت في الآونة الأخيرة قضايا الأخطاء الطبية والانفتاح في القطاع الخاص، وحتى نعلم حجم المشكلة فإن الوضع الحالي يجعل وزارة الصحة هي الخصم، وهي الحكم في قضية الأخطاء الطبية، مما أفقد الناس الثقة بإمكان استرجاع حقوقهم، حيث تقوم المحكمة في الغالب بطلب رأي لجنة فنية من وزارة الصحة، وقد قامت الجمعية الطبية الكويتية عام 1986 بطرح مشروع قانون مزاولة المهنة على مجلس الأمة، الذي يدخل الجمعية الطبية وجمعية أطباء الأسنان في التفتيش والتحكم الطبي، كما يقترح القانون استقلال إدارة التراخيص الطبية عن وزارة الصحة، وهذا بلا شك يضمن حقوق الأطباء عن أي ضغوط قد تمارس عليهم، كما يحمي أطباؤنا من الممارسة التجارية لمهنة الطب، والتي تحدث حاليا عن طريق استقدام الأطباء الزوار في المستشفيات والمراكز الخاصة من دون أن يتم التأكد من شهاداتهم أو سيرتهم المهنية.كما قامت وزارة الصحة منذ الثمانينيات بابتعاث الكثير من أبنائها الأطباء للتدرب في الخارج، خصوصا في أوروبا وكندا وأميركا، وقد كان الهدف من ذلك الاستثمار في العنصر البشري مع استقدام خبرات محلية تقود حركة التطوير والتحديث على النظام الصحي في الكويت، إلا أن الوزارة أظهرت اخيراً عجزا عن الاستفادة من هذه الخبرات، وذلك بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة للاستفادة من هؤلاء الشباب، كما تكونت مجالس أقسام تخصصية إلا أنها افتقدت أي خطط واضحة للتطوير والتحديث، واكتفت بكونها لجانا لبحث الترقيات وتوزيع الأطباء من دون تسجيل أي برامج عملية للاستفادة من فرصة وجود أكثر من مدرسة تدريبية متمثلة في خريجي أوروبا وكندا وأميركا والعالم العربي، وقد عجزت مجالس الأقسام حتى عن توفير البرامج التدريبية المحلية للأطباء حديثي التخرج، مما تسبب في انفتاح غير مبرر على الابتعاث الى كثير من الدول من دون النظر الى كفاءة التدريب في هذه الدول.