Ad

لأول مرة يتحدث الأميركيون عن دولة فلسطينية ذات حدود متّصلة، ولأول مرة يتحدثون عن ضرورة وقف الاستيطان وإزالة بعض المستوطنات، ولأول مرة يردّدون عبارة «الحفاظ على الكرامة الفلسطينية»، ولأول مرة ترد على لسان مسؤول أميركي كبير على مستوى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كلمة «الاحتلال الإسرائيلي».

الانطباع الذي عاد به العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من زيارته الأخيرة إلى واشنطن، حيث التقى الرئيس الأميركي جورج بوش وناقش معه الوضع الفلسطيني في ضوء الأوضاع الملتهبة في المنطقة كلها، جيدٌ ومشجع جداً، والانطباع الذي عاد به وزير خارجية الأردن عبدالإله الخطيب ووزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط من آخر زيارة قاما بها إلى إسرائيل، إيجابي بعض الشيء، قياساً بالمواقف الإسرائيلية السابقة؛ مواقف منْ هُمْ في الحكم ومواقف من هُمْ خارجه.

وكل هذا والفلسطينيون، باستثناء «حماس» ومن يخيط بمسلتها، يشعرون بالارتياح وبات الأمل يتسرب إلى قلوبهم، وهم يقولون إنهم باتوا يلمسون جدية أميركية ومرونة إسرائيلية، وأنهم إذا تلاحقت الأمور على هذا النحو بلا إعاقات فإن هناك إمكاناً فعليأً لأن تشهد بقية ما تبقى من أيام بوش في البيت الأبيض إنجازاً يؤسس للحل المنشود بالنسبة للقضية الفلسطينية.

لقد أبلغ الرئيس بوش العاهل الأردني، حسب ما تسرب عن لقائهما الأخير الذي كان على انفراد واستغرق نحو ساعة، أنه مصمم على أن تشهد الفترة المتبقية من عهده تقدماً فعلياً وحقيقياً بالنسبة إلى حلِّ إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وذات حدود متصلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، وهو قد أبلغه أيضاً بأن تصوراً كاملاً لديه للخطوات التنفيذية المؤدية إلى هذا الهدف، وأن هذا التصور سيتم وضعه قريباً بين أيدي أعضاء اللجنة الرباعية الدولية التي جرى تكليفها بإيجاد مخرج عاجل لمأزق الوضع الفلسطيني.

وقد سمع الوزيران العربيان، وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية الأردني، خلال زيارتهما الأخيرة إلى إسرائيل كلاماً إيجابياً من رئيس الدولة شمعون بيريز ومن رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وأيضاً من زعيم المعارضة اليمينية بنيامين نتانياهو، وهما قد قالا بعد عودتهما من هذه الزيارة أن هذه المواقف الإسرائيلية المستجدة ليست كافية، وأنها بحاجة إلى وضوح أكثر وبخاصة بالنسبة لمبادرة السلام العربية، لكنها وفي كل الأحوال يمكن وصفها بأنها تشكل بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم.

لأول مرة يتحدث الأميركيون عن دولة فلسطينية ذات حدود متصلة، ولأول مرة يتحدثون عن ضرورة وقف الاستيطان وإزالة بعض المستوطنات، ولأول مرة يرددون عبارة «الحفاظ على الكرامة الفلسطينية»، ولأول مرة ترد على لسان مسؤول أميركي كبير على مستوى وزيرة الخارجية كونداليزا رايس كلمة «الاحتلال الإسرئيلي»، ثم ولأول مرة يتحدث الإسرائيليون عن هذه الدولة الفلسطينية المستقلة وعن استعدادهم لإعادة تسعين في المئة من الأراضي المحتلة وعن ضرورة الاستعانة بقوات دولية في هذه الأراضي، وهذا كله يجب أن يستقبله العرب بكل إيجابية وبمنتهى الجدية.

لا يجوز الاستمرار في التشكيك بكل شيء، ولا يجوز اعتبار كل ما يصدر عن الأميركيين أنه «مؤامرة صهيونية سكناجية»، والمفترض أن تتحرك الدول العربية، المعنية فعلاً بإيجاد حلٍّ تاريخي مقبول للقضية الفلسطينية، وتلتقط هذه الفرصة التي، لأسباب كثيرة، غدت سانحة، لذا يجب عدم إضاعة هذه الفرصة ويجب ألَّا يجدد العــرب الانطباع السائد عنهم بأنهم «ضياعو فرص»!

هناك عربٌ يريدون أن تبقى القضية الفلسطينية مندون حل؛ أولاً، لإثبات أنهم في هذه المنطقة، هم الرقم الرئيسي والأساسي في الحرب والسلام! وثانياً، لاعتقادهم أن الحل على المسار الفلسطيني سيؤخر الحل على مسارهم وسيكون على حسابه، إن هؤلاء يصرون على اختطاف هذه القضية. وإن هؤلاء يسعدهم أن يبقوا يتاجرون بمأساة هذا الشعب المعذب ولذلك فإنه على العرب الآخرين ألا يضيعوا هذه الفرصة، إنها فرصة حقيقية ويجب اغتنامها!

سيشهد الخريف المقبل، حسب اقتراح الرئيس الأميركي جورج بوش مؤتمراً دولياً، والمؤكد أن هذا المؤتمر إن هو عقد، وهو يجب أن يعقد، سيكون أهم حتى من مؤتمر مدريد المعروف، وهذا يفرض على العرب أن يتحركوا بسرعة حتى لا تكون مبادرتهم، التي لا يوجد في السوق غيرها الآن، بمنزلة: «قـُلْ كلمتك وأمش»!

 

كاتب وسياسي أردني