قتل عقوبة الإعدام
ندرك جميعاً أنه حتى في حالة نجاح التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر بشأن تعليق عقوبة الإعدام عالمياً، فإن القرار لن يكون ملزماً، وأن إقرار وتعزيز هذا التعليق ليس سوى خطوة ضرورية على منتصف الطريق نحو الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، وأنا أعتقد أن الأمم المتحدة لابد أن تطالب بتعليق فعلي فوري.
يبدو أن النجاح بات قاب قوسين أو أدنى أخيراً، فبعد ثلاثة عشر عاماً من المفاوضات والتسويف والتردد، من المقرر أن تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر على اقتراح بتعليق عقوبة الإعدام عالمياً، وكانت أغلبية ضخمة في الأمم المتحدة قد تبنّت هذا الاقتراح في الخامس عشر من نوفمبر 2007، رغم المحاولات التي بذلتها بعض الدول الأعضاء لاعتراض سبيل هذا الاقتراح أو تعديله أو دفنه، ولكن من حسن الحظ أن المعارضين في النهاية اضطروا إلى مواجهة عزيمة أقوى من عزائمهم جميعاً: إنها عزيمة هؤلاء الذين يريدون إحداث نقطة تحول أخرى في الحضارة الإنسانية بعد إلغاء الرق وإدانة التعذيب.ولكن هل يكون أخذ الأصوات في شهر ديسمبر الحالي مجرد إجراء شكلي؟ الحقيقة أن التجارب السابقة تدعونا إلى الحذر، فحتى الآن لم أجرؤ على التجهيز للاحتفال.
في الحقيقة، لست على ثقة من أن حكومات العالم كافة قد تقبلت هذا الأمر كواقع محتوم، أو أن الأعضاء الأكثر صلابة سوف يوافقون الآن على قرار التعليق، بيد أنني ما زلت أؤمن بأن الجمعية العامة سوف تجد الوسيلة، كعادتها دائماً، للتعامل مع هذا التحدي.نحن ندرك جميعاً أنه حتى في حالة نجاح التصويت، فإن قرار الأمم المتحدة لن يكون ملزماً، وأن إقرار وتعزيز هذا التعليق ليس سوى خطوة ضرورية على منتصف الطريق نحو الإلغاء التام لعقوبة الإعدام. وأنا أعتقد أن الأمم المتحدة لابد أن تطالب بتعليق فعلي فوري، دون أن تنتظر بدء المناقشات بشأن الإصلاحات القانونية في الدول المعنية، وأتمنى أن يسمح هذا التوجه بإيجاد إجماع واسع النطاق في الجمعية العمومية، وأن يفشل أي تحول في الرأي في اللحظة الأخيرة.من بين الدروس العظيمة التي تعلمتها أثناء النضال من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، والآن أثناء المعركة التي خضناها من أجل استصدار القرار بتعليق عقوبة الإعدام، أنه من الأفضل في كثير من الأحيان أن يسعى المرء إلى الخروج بنتائج واقعية بدلاً من التمسك بالتوصل إلى نتيجة مثالية. فقبل أن يؤسس المجتمع الدولي المحكمة الجنائية الدولية شهدنا إنشاء محكمتين خاصتين الأولى مختصة بيوغوسلافيا السابقة، والثانية مختصة برواندا، ولقد مهد عمل هاتين المحكمتين الطريق أمام إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.كانت بعض بلدان الاتحاد الأوروبي ترغب في الدفع نحو الإلغاء التام لعقوبة الإعدام في التو والحال. والحقيقة أنني أتفهم موقف هذه الدول، وكنت أرغب في النتيجة نفسها، ولكن ربما كانت جهودنا تبوء بالفشل لو سلكنا ذلك المسار.وهذا يشكل في حد ذاته درساً للاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يسعى فيه إلى التحول إلى كيان فاعل على المستوى العالمي، يتعين علينا دوماً أن نسعى إلى التوصل إلى إجماع داخلي، بينما نضع في الحسبان العواقب الخارجية التي قد تترتب على قرارنا، ففي إطار مساعينا الرامية إلى استصدار قرار التعليق كنا ننتهج سلوكاً عملياً، وكنا حريصين على بناء سياسة خارجية أوروبية قوية، وكان الموقف الأوروبي المشترك في مفاوضات الأمم المتحدة يشكل ميزة كبرى لمصلحتنا. في هذا السياق، تعلمت درساً آخر لابد أيضاً أن يستفيد منه الاتحاد الأوروبي، الذي وجد نفسه في عالم يعج بالقوى الجديدة الناشئة، حيث كل القوى الفاعلة من مانيلا إلى الجزائر، ومن الدوحة إلى ليبرفيل لابد أن تتعامل مع التحديات المتمثلة في العولمة والاعتماد المتبادل بين القوى العالمية جميعها على أساس يومي، ويتلخص ذلك الدرس في أن عدد أصدقاء أوروبا في العالم أكثر من عدد أعدائها.هؤلاء الأصدقاء يستحقون الاحترام والانتباه، ولو لم تدرك إيطاليا والاتحاد الأوروبي الحاجة إلى العمل مع الدول غير الأوروبية، ولم يكن هناك حرص شديد على جعل هذه الدول تستشعر مسؤوليتها، وتدرك أهميتها كنصير كامل وفعّال، لكانت الجهود التي انتهت إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية والاقتراب من الإعلان العالمي لتعليق عقوبة الإعدام، قد باءت بالفشل.أدرك تمام الإدراك أن هذا ليس بالدرس الجديد، إلا أن هذا هو ما يتبادر إلى ذهني حين أفكر في التعددية الفعّالة، فهي ليست ناجحة فحسب، بل إنها تشكل في المقام الأول السبيل الوحيد إلى التحرك نحو الأمام في كثير من الأحيان.وأخيراً ثمة درس ثالث يتعلق بالنضال ضد عقوبة الموت، بل والفوز في أي معركة سياسية، وهو المثابرة، التي أعتبرها خليطاً من الصلابة وقوة العزيمة، والقدرة على الدفاع عن الموقف، فمن دون المثابرة لن يتحقق أي تقدم.كل هذا يشكل نجاحاً عظيماً، ليس فقط لمناهضي عقوبة الموت، وجماعة «ارفعوا أيديكم عن قابيل» (Hands off Cain)، والحكومة الإيطالية، والاتحاد الأوروبي وأصدقائه في أنحاء العالم كافة، بل إن الأمر أعظم من ذلك، فهو يعتبر نجاحاً لكل هؤلاء الذين يؤمنون بأنه ما زال في الإمكان أن نرتقي بهذا العالم والظروف التي يعيشها الإنسان في كل يوم.* إمّا بونينو ، وزيرة إيطالية لشؤون أوروبا والتجارة الدولية، وهي من الأعضاء المؤسسين للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (www.ecfr.eu). «بروجيكت سنديكيت/ المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» بالاتفاق مع «الجريدة».