Ad

إن التغيرات الكيماوية التي تصيب الجسد في المراهقة أو الشيخوخة هي عوامل فاعلة في سلوكنا السياسي والاجتماعي، فهل حان الوقت لقراءة جديدة لنزوح الكثير منا نحو التفكير الغيبي العاطفي في فترات عمرية مختلفة؟ وماذا عن بشر مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، اللذين تسيطر عليهما تلك التفاعلات الكيماوية من الشباب إلى الشيخوخة؟

فئتان عمريتان من البشر في كل الحضارات تتجهان إلى التفكير العاطفي والغيبيات: الفئة الأولى هم المراهقون من الشباب، والفئة الثانية هم ممن تقدموا في العمر، المراهقون يعانون فورة الهرمونات وتذبذبها بشكل يومي مما يؤدي إلى تقلب في أمزجتهم وتفكيرهم، ولأنهم لا يفهمون جيدا التبدلات الكيميائية التي تحدث في أبدانهم فهم يفرغون هذه الطاقة في سلوك تطغى فيه العاطفة على العقل. فترى منهم من يكون محاطا بأسرة واعية ومجتمع متقدم يعينانه على تجاوز هذه المرحلة الهائجة من حياته ويساعدانه على بناء مستقبل آمن... وترى منهم من ينخرطون في حياة الحفلات الصاخبة ويتحدون آباءهم ومجتمعاتهم بالتدخين والعنف والسهر ليلا... ومنهم أيضا من يدخلون في مشروع تدين أو مشروع «جهاد» مدفوعين بكيماويات داخلهم لا يعرفون أسباب تقلباتها.

أما الفئة الثانية ممن تقدموا في السن، فقد بدأوا يعانون الأمراض التي تصاحب الكبر، أمراضا بعضها معروف أسبابه وبعضها غير معروف. فيكون بعضهم محظوظا أيضا بأنه محاط بحنان الأسرة وتقدير المجتمع مما يعينه على تحمل شيخوخته، وبعضهم الآخر لكثرة ما جرب الطب والدواء وتكررت زياراته للأطباء وخاب أمله في التوصل إلى علاج، تراه يدخل في عالم الغيبيات من دروشة مفرطة أو تصوف وانعزال، وطقطقة المسابح أو عالم البخور والتداوي بالأعشاب والأعمال العلوية منها والسفلية.

هذه حقائق معروفة في المجتمعات المتقدمة، لعلاجها قدمت هذه المجتمعات برامج اجتماعية مخصصة للشباب والشيوخ، تقيهم شر هذا التطرف العاطفي، أما في مجتمعاتنا فهذا نقاش غير مفتوح.

التغيرات البيولوجية وفهمها أساسي في فهم سلوك البشر، ولا ضير من محاولة المقارنة مع سلوك كائنات أخرى في مراحل عمرية مختلفة لفهم ما يحدث. عندما كنت طالب دكتواره، درست فصلا دراسيا كاملا مع أستاذ متخصص في ما يسمى البيولوجيا والسياسة. كان أساس الفصل المقرر (الكورس)، هو دراسات مقارنة بين سلوك البشر في فترات عمرية محددة مقارنة بالحيوانات الأقرب إلى الإنسان مثل الشامبنزي والبابون، وهما من فصيلة القردة.

البروفسور شوبرت وابنه جيم شوبرت، كانا من أهم الأساتذة في هذا الفرع من العلوم السياسية. كان جيم مهتما بعلاقة البيولوجيا والسلوك السياسي، وكان يراجع كل يوم وتلامذته أشرطة فيديو لأحاديث الساسة الأميركيين، يعدون فيها رمشات العين وعلاقتها بالكذب عند السياسيين، ويرصدون الكثير من الميزات السلوكية للأفراد وعلاقتها بسياساتهم.

بدا هذا الفرع من دراسة العلوم السياسية بالنسبة لي غريبا، فكيف نقارن الإنسان بالحيوان من حيث السلوك. كان الوازع الديني عندي قويا، وربما كبوابة لم أستطع تجاوزها بحثا عن معرفة جديدة. مع مرور الوقت، تعلمت النظر إلى الإنسان ككائن اجتماعي سلوكي، لا يختلف عن الحيوان كثيرا من حيث المعادلات الكيميائية التي تحرك جزءا كبيرا من سلوكه، هذا الجانب الذي يكون الإنسان مسيرا لا مخيرا فيه، بالنسبة للغرب يمثل أمراً بيولوجياً وليس قدريا. حتى المخ الذي هو مصدر الاختيار في قراراتنا اليومية، هو مجموعة معادلات كيماوية في المقام الأول، وما يحدث في منطقة الهيبوثلامس في الدماغ كله كيمياء.

المهم في هذا كله، هو أن التغيرات الكيماوية التي تصيب الجسد في المراهقة أو الشيخوخة هي عوامل فاعلة في سلوكنا السياسي والاجتماعي. فهل حان الوقت لقراءة جديدة لنزوح الكثير منا نحو التفكير الغيبي العاطفي في فترات عمرية مختلفة؟ وماذا عن بشر مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، اللذين تسيطر عليهما تلك التفاعلات الكيماوية من الشباب إلى الشيخوخة؟ إن حوارا علميا حول السلوك المتطرف قد يكون إضافة مهمة لمن يدرسون الظواهر العاطفية والسلوك الغيبي... فهل نبدأ هذا الحوار؟ وهل نفكر في برامج اجتماعية متخصصة للشباب والشيوخ، تقيهم شر هذا التطرف العاطفي؟

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)