هناك تداخل وتعارض بين العام والخاص. ووجود هذه الظاهرة في الكويت يعطي بعض الناس انطباعاً بأن المنصب الإداري العام يجلب منافع شخصية مباشرة لمن يتولاه، وأن كل مسؤول من متخذي القرارات العامة «يدير النار صوب قرصه»! لذلك ينتشر انطباع بين بعض الناس بأن كل مسؤول عام في الكويت تحوم حوله شبهة الفساد.مسؤول كبير يخرج من الوزارة ويؤسس شركة خاصة لعملها علاقة مباشرة بالعمل الذي كان يقوم به عندما كان في الوزارة، وبرلماني يملك شركات خاصة عدة، وعضو مجلس بلدي يرأس شركات لها علاقة بأعمال البلدية، ووكيل أو وكيل مساعد أو مسؤول عن قطاع إداري أو مالي أو فني معين في إحدى الجهات الحكومية وفي الوقت نفسه يملك ويدير شركة خاصة تقوم بطبيعة عمل القطاع ذاته، الذي هو مسؤول عنه. أو مسؤول تعاوني لديه مؤسسة خاصة تتعامل مع الجمعية التي هو أحد مسؤوليها!
كما قد نجد مسؤولاً كبيراً آخر، أو برلمانياً أوعضو مجلس بلدي يتسلم المسؤولية العامة، وهو «بطرق الدشداشة»، وما إن يتركها إلا وقد أصبح من أصحاب الأرصدة البنكية الضخمة!
ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني ببساطة أن هناك تداخلاً وتعارضاً بين العام والخاص، وأن هذا الشخص المسؤول أو البرلماني أو عضو «البلدي» يستفيد بشكل مباشر من شبكة العلاقات الرسمية التي توفرها له طبيعة عمله العام، وقد يستغل سلطته للحصول على معلومات خاصة ومهمة يجيرها لمصلحة مشروعه الخاص. وعندما يكون هنالك تعارض بين عمله العام ومصلحته الشخصية في القرارات التي يتخذها فانه يُغلّب الخاص على العام. كما قد يستغل، كمسؤول عام، سلطته التي يمنحها له عمله (الإداري أو البرلماني أو البلدي) للإثراء الشخصي.
إن وجود هذه الظاهرة في الكويت يعطي بعض الناس انطباعاً بأن المنصب الإداري العام يجلب منافع شخصية مباشرة لمن يتولاه، وأن كل مسؤول من متخذي القرارات العامة «يدير النار صوب قرصه»!
لذلك ينتشر انطباع بين بعض الناس أن كل مسؤول عام في الكويت تحوم حوله شبهة الفساد، الذي يعني استغلال السلطة لمنافع شخصية. وهو انطباع خاطئ لأن هنالك الكثير جداً من المسؤولين العموميين الشرفاء الذين يفصلون بين العملين العام والخاص، وهنالك أيضا نماذج قيادية وطنية نظيفة تشرف المناصب التي تتقلدها. ووجود بعض الفاسدين لا يعني أن الكل فاسد، فالتعميم دائما خاطئ. وفي كل المجتمعات لا بد أن يكون هنالك من هو «متمصلح» من عمله العام.
على أنه من الضروري إيجاد وسائل وطرق تمنع أو على الأقل تحد بشكل كبير من وجود «المتمصلحين» مستغلي السلطة العامة لمآرب شخصية. ومن ضمن هذه الوسائل ما هو معمول به في الدول الديموقراطية حيث إن هناك جهة مستقلة تُعنى بمراقبة أعمال المسؤولين العامين وترصد أوجه الفساد السياسي والإداري والمالي الذي يعتري أعمالهم. هذه الجهة هي هيئة مكافحة الفساد التي أكدتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في المادة 6 والمادة 36، التي من ضمن أهم أعمالها تسلم كشوف الذمة المالية من المسؤولين العامين. وقد صادق على هذه الاتفاقية مجلس الأمة إلا أنه لم يتم العمل بها حتى الآن!
إن إنشاء هيئة مكافحة الفساد في الكويت يعتبر من الأولويات للحد من عملية الفساد ولتصحيح ما قد ينطبع في أذهان بعض الناس من وجود شبهات فساد تمس بعض المسؤولين العموميين الشرفاء، خاصة مع «التوزيع المجاني» لتهم الفساد من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة على زملائهم النواب وأيضا على بعض المسؤولين العموميين من دون وجود أدلة كافية.
نعرف أنه من الصعب أن تمنع القوانين والتشريعات وحدها استغلال السلطة، وأنه يجب أن تكون هناك، إضافة إلى ذلك، قيم أخلاقية مهنية عالية يتحلى بها من يتولى العمل العام. إلا أن وجود هيئة مكافحة الفساد وتطبيقها قوانين الشفافية المعمول بها دولياً سيحد إلى درجة كبيرة من استغلال السلطة العامة لمصالح خاصة.