حاميها حراميها!
القضايا الأخيرة تفرض ضرورة إجراء مراجعة شاملة ليس لتطهير أجهزة الأمن المختلفة فحسب، وإنما لتطويرها وإحداث نقلة نوعية في مستوى الأداء والالتزام، وتحويل رجل الأمن إلى قدوة صالحة في المجتمع.
تورط بعض العسكريين القياديين في وزارة الداخلية بجرائم بيع الخمور والمخدرات والدعارة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة في ظل معطيات وإفرازات الواقع المحزن الذي نعيشه بشكل منتظم في السنوات الأخيرة، لأنها ببساطة تعكس الحالة العامة من فقدان هيبة القانون وتسيد أشكال الفساد المتوغلة في قطاعات الدولة جميعها وتحت مظلة حماية واسعة من الوساطات والتدخلات العجيبة والغريبة، وبما أن العسكريين هم من عامة أفراد الشعب يعيشون في ظل أوضاع نخرتها عوامل الفساد والفوضى تكون احتمالات الانجراف في هاوية الخطيئة واردة جداً، كما تعد رجاحة كفة الواسطة والمحسوبية، بدءاً من سياسة القبول في المؤسسات العسكرية، ومروراً بالفرز على مواقع العمل، ومعايير الترقية والتدرج الوظيفي، وانتهاءً بالأمن من العقوبة، سبباً مباشراً للتورط المباشر في جرائم مخلة بالشرف والأمانة، ولا نبالغ إذا قلنا ان الفساد في بعض هذه الأجهزة الحساسة يصل أحياناً إلى تهميش وتطفيش العناصر المخلصة فيها إذا ما تصدت للمخربين في هذا المرفق والشواهد على ذلك كثيرة. وبالتأكيد لا نعمم على منتسبي وزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات العسكرية فهم أبناؤنا وإخواننا وبهم نأتمن على أرواحنا وأعراضنا وأمننا، ولكن سوء التصرف ينعكس سلباً على الجهاز برمته شئنا أم أبينا، وشاءت القيادات الأمنية العليا أم أبت، خاصة إذا تعلق الأمر بجرائم مثل المخدرات وتجارة الخمور والرذيلة الأخلاقية، بل إن مؤشرات هذه الجرائم الثلاث تحديداً وتناميها بشكل مخيف يمثل تحدياً كبيراً للمؤسسة الأمنية برمتها، ويكفي دليلاً على هذا أن كمية المخدرات المنتشرة في البلد تكفي شعباً يوازي عشرة أضعاف التعداد السكاني في الكويت!والأكثر من ذلك، تشير الإحصائيات السنوية للإدارة العامة للتخطيط والتطوير بوزارة الداخلية نفسها إلى أن مؤشرات الجريمة بأنواعها المختلفة آخذة في الارتفاع المضطرد منذ منتصف التسعينيات، وأن معدلات ارتكاب الجرائم جميعها تقريباً بين المواطنين الكويتيين هي الأكثر، رغم أنهم لا يتعدون ثلث التركيبة السكانية في البلاد، وغالبية هذه الجرائم يرتكبها منتسبو المؤسسات العسكرية والأمنية!ومع الأسف الشديد فإن المؤسسات العسكرية والأمنية لا تتجاوب حتى مع الاقتراحات والبرامج التي تقدم لها على طبق من ذهب، فعلى سبيل المثال تقدمت شخصياً باقتراحات برلمانية عدة لإجراء فحوصات دورية وفجائية للعسكريين، خاصة بالمسكرات والمخدرات، وكذلك فرض التفتيش الجمركي على المنافذ العسكرية وصالة التشريفات، ولكن دون أدنى تجاوب من الحكومة. ولعل القضايا الأخيرة تفرض ضرورة إجراء مراجعة شاملة ليس لتطهير أجهزة الأمن المختلفة فحسب، وإنما لتطويرها وإحداث نقلة نوعية في مستوى الأداء والالتزام، وتحويل رجل الأمن إلى قدوة صالحة في المجتمع، ونأمل أن تأخذ التحقيقات والتحريات بشأن الفضيحة الأمنية الأخيرة وغيرها مع بؤر الفساد وقتها الكافي بصمت وهدوء، وأن تتعامل مع مثل هذه القضايا بروح الشفافية وتكشفها على الملأ بإثباتاتها وأدلتها لتكون حساباً يليق بمستوى هذه الجرائم وعبرة لنا جميعاً.