بغض النظر عن فاعلية نظام الدرع الصاروخي وإمكان روسيا امتلاك زمام المبادرة في الضربة الأولى ضد الصواريخ الأميركية تحت الأرض في دول أوروبا الشرقية وشلّ قدرتها على الرد، فإن المخصصات التي سترصدها واشنطن ستزيد عن 500 مليار دولار (أي نصف تريليون)، بما يعني أن حمّى التسلّح ستطبع العقد المقبل.في جو من الاسترخاء وفي منزل عائلة بوش في كينيبانكبورت التقى فلاديمير بوتين وجورج بوش في القمة الأميركية–الروسية، برغم الأجواء المحمومة التي تذكّر بالحرب الباردة، خصوصاً تلك الفترة التي شهدت إعلان واشنطن عن نيتها بإنجاز مشروع «حرب النجوم». وإذا كان لمشروع حرب النجوم ما يبرره حينها الصراع التناحري بين المعسكرين وقطبيهما: واشنطن وموسكو، وسباق التسلح والحرب الباردة، فإن الخطط الأميركية الحالية تثير تساؤلاً مشروعاً، خصوصاً وقد اختفت تلك الأجواء ولم تعد روسيا مثل «الاتحاد السوفييتي» السابق تشكل نقطة جذب واستقطاب دوليين.
فلماذا تريد الولايات المتحدة إذاً نشر عشر منصات مضادة للصواريخ في بولونيا وتركيز شبكة رادار في تشيكيا في إطار مشروع الدرع الصاروخي، وتحت عنوان «حماية أوروبا» من هجمات قد تأتي من «دول مارقة»، والمقصود هنا إيران وكوريا الشمالية وغيرها، لكن الصواريخ تنصب على حدود روسيا بما يثير علامة استفهام كبيرة!
وكان رد فعل موسكو عنيفاً، حيث حذرت من العودة إلى سباق التسلّح مجدداً، الذي سيقود الى هدر مئات المليارات من الدولارات على إنتاج الأسلحة وعلى الأبحاث الحربية. ولعل إطلاق روسيا صاروخ «آراس–24» المضاد للصواريخ الباليستية كان يستهدف الإيحاء إلى إمكان العودة الى الحرب الباردة.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن روسيا سوف تحدد لها أهدافاً جديدة في أوروبا، إذا ما أصرّت واشنطن على المضي في إقامة الدرع الصاروخي على حدودها. ويذهب العديد من الاستراتيجيين العسكريين إلى أن المقصود بهذه الأهداف هو القواعد البولونية والتشيكية تحت الأرض، حيث تنصب فيها الصواريخ الأميركية وكذلك القواعد العسكرية البلغارية والرومانية.
جدير بالذكر أن الضجة التي أثيرت حول الصواريخ الأميركية كانت قد استحوذت على حيز كبير من قمة الدول الثماني الكبرى، التي انعقدت في مدينة هايلنغيدام في ألمانيا، علماً بأن الخبراء العسكريين يعتبرون ذلك تطبيقاً متطوراً لمبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي عُرفت بـ «حرب النجوم»، خصوصاً الخاصية الخامسة فيها، والتي تقوم على افتراض اعتراض الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات لحظة انطلاقها. وحسب التحذير الروسي فإن الدول التي ستستضيف الدرع الصاروخي، ستجلب على نفسها «نيران الجحيم».
وظهر مصطلح «حرب النجوم» STARS WAR عندما أعلن الرئيس الاميركي رونالد ريغان في العام 1983 «مبادرته»، ورصد لها موازنة تقدّر بنحو 26 مليار دولار وعلى مدى خمس سنوات.
واستهدفت المبادرة في حينها مواجهة احتمالات اندلاع حرب نووية مع الاتحاد السوفييتي، وبالخصوص السعي لتدمير الصواريخ في الجو قبل وصولها الى أهدافها، في حين أن مشروع حرب النجوم الجديدة أو الثانية، هو مبادرة مصغّرة نسبياً تستهدف إبطال مفعول القدرات الصاروخية لروسيا وبلدان أخرى تتعارض سياستها مع سياسة واشنطن.
وعلى الرغم من تدمير العديد من الأسلحة والصواريخ، ناهيكم عن تقليص حجمها ووقف المشاريع الحربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن الولايات المتحدة واصلت مشاريعها وتجاربها وأبحاثها العسكرية، ولعل نشر الدرع الصاروخي على حدود روسيا قد دفع الأمور إلى آفاق متقدمة من التوتر، وجعل إمكان العودة الى سباق التسلح محتملا، وهو الأمر الذي كلّف البشرية أثماناً باهظة على حساب الصحة والتعليم والبيئة والتصحّر والعلوم والتكنولوجيا، بما فيها أبحاث الفضاء، ناهيكم عن التفاوت الكبير بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، الذي خلق بيئة خصبة تشجع على العنف والتمييز والإرهاب.
وبغض النظر عن فاعلية نظام الدرع الصاروخي وإمكان روسيا امتلاك زمام المبادرة في الضربة الأولى ضد الصواريخ الأميركية تحت الأرض في دول أوروبا الشرقية وشلّ قدرتها على الرد، فإن المخصصات التي سترصدها واشنطن ستزيد عن 500 مليار دولار (أي نصف تريليون)، بما يعني أن حمّى التسلّح ستطبع العقد المقبل بما سيؤدي إلى ارتفاع الأعباء على دول أوروبا الشرقية التي قد يجعلها أكثر اندماجاً مع حلف الناتو ومع السياسة الأميركية، وسيضعف روسيا وقدراتها.
ويبقى السؤال ملّحاً: هل بإمكان روسيا مجاراة الولايات المتحدة في حرب النجوم الثانية؟ وإذا كانت موسكو قد أخفقت في سباق التسلح وحرب النجوم الأولى بسبب نظامها السياسي الشمولي وأزماتها الاقتصادية والإدارية وضعف الهياكل والتراكيب، فهل سيمكنها اللحاق بواشنطن، وهي تعاني أزمات داخلية حادة واختناقات اقتصادية ومشاكل وحروب مع الشيشان، ناهيكم عمّا تحتاجه حرب النجوم الثانية من موازنة مالية هائلة!!
كاتب عراقي