«الإخوان»، الذين يستضيفون هذه القمة، يريدونها قمة مقاتلة، ويريدونها معركة تحدٍّ مع الولايات المتحدة، ويريدون إبعاد الهم اللبناني عنها وإغراقها في همّ غزة، وليس في همّ القضية الفلسطينية، وهذا معناه وبكل وضوح أنهم يريدونها لتعزيز مواقفهم ومواقف حلفائهم الإيرانيين في المعادلة الإقليمية، وفي المعادلة الدولية أيضاً.ثلاثة أيام فقط ومن المفترض أن تنعقد «القمة الدمشقية»، التي طال الحديث عنها، واشتد التجاذب بشأنها، والمسألة هنا ليست مسألة الانعقاد أو عدمه، فهذا أمر سهل المنال، وبالإمكان أن تنعقد هذه القمة بعددٍ لا يصل إلى عدد أصابع اليدين، ومع ذلك فإنه لا ضير في أن يصفها «المـُضيف» بأنها ناجحة وأنها قمة القمم، وأنه لا قبلها ولا بعدها وأنها المحطة الرئيسية على طريق «التضامن العربي» الذي لم يعرف التضامن ولم يدركه في أي يوم من الأيام!
إن المسألة هي ماذا من الممكن أن تفعل هذه القمة، وأن تحل من العقد الكثيرة التي أدت إلى كل هذا الاستقطاب العربي الذي لم يصل إلى هذه الحالة البائسة حتى زمن الحرب الباردة وصراع المعسكرات، وعندما كان هناك عرب عاربة محسوبون على المعسكر الشرقي - السوفييتي؟!
لنفترض أنه لن تتخلف ولا دولة عربية واحدة عن هذه القمة، وأنه سيحضرها الملوك والقادة والزعماء العرب كلهم من دون استثناء، فهل من الممكن يا ترى حل القضايا العالقة التي أولها الحالة اللبنانية المتردية، والتي في ظل الانقسام الهائل هناك بفعل العوامل الإقليمية والتدخلات الخارجية باتت «فالج لا تعالج»، كما يقال، وثانيها الوضع الفلسطيني المزري والمخجل، حيث أهل القضية يقتتلون على جلد الدب قبل اصطياده، وثالثها هذا الذي يجري في العراق والذي جعل كثيرين يترحمون على أيام صدام حسين، رغم أنها كانت غارقة في الدماء وحالكة السواد؟!
هناك معسكران عربيان واضحان: معسكر يريد للبنان أن يستقر ويستعيد عافيته، وأن يقرر مصيره بنفسه، وأن تنتهي حالة تحويل الساحة اللبنانية إلى ميدان معركة للصراعات الخارجية، وهذا المعسكر يصر على ضرورة التخلص من الفراغ الحالي بالنسبة الى موقع رئاسة الجمهورية قبل انعقاد هذه القمة وحل كل الإشكالات المتعلقة بهذا الإشكال، وهناك معسكر - وهو معسكر معروف لا يخفي مواقفه وتوجهاته - يصر على أن يبقى هذا البلد ورقة للمساومة مع الأميركيين وغير الأميركيين، وأن يبقى ملحقاً بالمعادلة الإقليمية التي عنوانها «فسطاط الممانعة»، الذي يرفع رايته محمود أحمدي نجاد، ويواصل الحداء لبطولاته «المجاهد الكبير» من العواصم البعيدة خالد مشعل.
وهكذا فإنه عندما لن تكون هناك إمكانية للحلحلة والحل، حتى ولو لم تتخلف ولا دولة عربية واحدة عن هذه القمة، وحتى لو حضرها كل الزعماء والقادة العرب، بالنسبة الى كل القضايا العالقة، القضية اللبنانية والقضية الفلسطينية والقضية العراقية، فإن السؤال الذي يجب أن يطرحه المواطنون العرب على أنفسهم وعلى قادتهم وزعمائهم وعلى الدولة المضيفة هو: هل هذه القمة ضرورية يا تُرى؟ وهل لا تزال هناك ضرورة يا تُرى لعقد قمم عربية بقيت تنعقد على مدى أكثر من أربعين عاماً، وبقيت كل قمة تلد أزمة جديدة وتزيد الوضع العربي بؤساً ومأساوية؟!
«الإخوان» الذين يستضيفون هذه القمة يريدونها قمة مقاتلة، ويريدونها معركة تحدٍّ مع الولايات المتحدة، ويريدون إبعاد الهم اللبناني عنها، وإغراقها في هم غزة وليس في هم القضية الفلسطينية، وهذا معناه وبكل وضوح أنهم يريدونها لتعزيز مواقفهم ومواقف حلفائهم الإيرانيين في المعادلة الإقليمية وفي المعادلة الدولية أيضاً... ولهذا فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد بادر، بينما الاستعدادات للقمة الدمشقية ماضية على قدم وساق، إلى التصعيد بدل التهدئة والقول إن واشنطن لا تريدها، وان انعقادها يعني إفشالاً لهذه الرغبة الأميركية.
لا مصلحة للعرب، حتى بما في ذلك السوريين أنفسهم، ربط أنفسهم بالعجلة الإيرانية، فالإيرانيون لهم حساباتهم ولهم تطلعاتهم ولهم مشاريعهم التوسعية، بينما العرب لهم حسابات وتطلعات أخرى في مقدمتها حل القضية الفلسطينية الحل العادل المقبول، وتخليص هضبة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يقتضي ألا تكون هناك مواجهة مع الولايات المتحدة، لا في هذه القمة ولا في غيرها، فالولايات المتحدة هي الآن الدولة الأعظم الموجودة على رقعة العالم كله، ولذلك فإنه بله وحمق وسياسة جاهلة الدخول مع هذا «الثور الهائج»، كما قال الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بعد كارثة يونيو 1967 في مناطحة ستكون خاسرة في كل الأحوال.
* كاتب وسياسي أردني