كلُّ شاة معلقة من عرقوبها!!

نشر في 18-11-2007
آخر تحديث 18-11-2007 | 00:00
 صالح القلاب

من المؤكّد أن سورية مستعدة للبيع والشراء بشرط أن يكون الثمن أكثر من مجرد استعادة الجولان حتى حدود الرابع من يونيو عام 1967، فهي تريد نفوذاً إقليمياً ترى أنها تستحقه!

يتناوب إسرائيليان هما وزير الدفاع الحالي إيهود باراك ومدير «الموساد» السابق إفرايم هاليفي على الترويج لضرورة تقديم مسار هضبة الجولان السورية، على مسار الدولة الفلسطينية وقضايا الحل النهائي، والهدف الذي يلتقيان عنده هو العودة إلى لعبة تنافس المسارات التي كانت إسرائيل لعبتها في بداية عملية السلام في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وكادت أن تنجح فيها عندما رفع وزير خارجية سورية في ذلك الوقت نائب رئيسها الآن فاروق الشرع شعار: «كلٌّ يقلِّعُ شوكه بنفسه وكلُّ شاةٍ معلّقة من عرقوبها»!!

يعتقد باراك، الذي أعلن هذا أكثر من مرة، أن حل المسار السوري أهون كثيراً من حل المسار الفلسطيني، والسبب أن السوريين أكثر انضباطاً، بسبب طبيعة نظامهم، من الفلسطينيين، وأنهم عندما يلتزمون بأمر ينفّذونه، وهذا صحيح ولا نقاش فيه، والسبب أنّ القضية الفلسطينية أكثر تعقيداً وتداخلاً من قضية هضبة الجولان التي لا تدرجها إسرائيل في إطار ما تسميه «الأرض التوراتية الموعودة» رغم أنها «ضمتها» بقرارٍ من الكنيست الإسرائيلي.

وبالطبع فإن باراك وهاليفي ينطلقان من أن استدراج سورية إلى حلٍّ يسبق الحلَّ، يضع الموضوع على النار الآن، أما على المسار الفلسطيني فإنه سيبعدُ السوريين عن الإيرانيين وسيسهل على الأميركيين التعامل مع المأزق العراقي المتفاقم وسيقضي على حزب الله، أو يجرّده من أسلحته، ويحوّله إلى أسد بلا أنياب ولا مخالب وإلى حزب سياسي عاديّ مثله مثل كل الأحزاب اللبنانية الأخرى، بالإضافة إلى كل هذا سيتم القضاء على التنظيمات الفلسطينية المتطرفة ومن بينها «حماس» التي ترتاح إسرائيل حالياً لدورها، لكنها غير مطمئنّة لما قد تصبح عليه في المستقبل، لاسيما في الضفّة الغربية إن هي بقيت أداة بيد الإيرانيين الذين حقّقوا من خلالها موطىء قدم في الشرق الأوسط وفي القضية الفلسطينية.

وإن ما لا نقاش فيه هنا، هو أن سورية مستعدة لتأدية هذا الدور، ومستعدة لأن يسبق مسارها المسار الفلسطيني، فـ«كلٌّ يقلّع شوكه بنفسه وكل شاة معلّقة من عرقوبها»، وهي أيضاً مستعدة للبيع والشراء بالنسبة لتحالفها مع إيران، لكن بشرط أن يكون الثمن أكثر من مجرد استعادة الجولان حتى حدود الرابع من يونيو عام 1967، فهي تريد نفوذاً إقليمياً ترى أنها تستحقه، وهو النفوذ الذي تمكن الرئيس الراحل حافظ الأسد من إقامة رؤوس جسور له في أكثر من مكان، لكن الذين جاؤوا بعده فرَّطوا به من خلال ربط أنفسهم بالقاطرة الإيرانية.

ربما يكون باراك وهاليفي جادين وصادقين في توجههما هذا بالنسبة لمسألة تقديم المسار السوري على المسار الفلسطيني، فهما خبيران في هذا الشأن وهما يعتقدان اعتقاداً جازماً أنه بالإمكان الاستفراد بالقضية الفلسطينية إن تمكّنت إسرائيل من إخراج سورية من دائرة الصراع، لكن ما قد يجعل هذا التوجه مجرّد قفزةٍ في الهواء هو أن ما يطرحه هذان المسؤولان الإسرائيليان يأتي في إطار الصراعات والمماحكات السياسية الإسرائيلية الداخلية، كما أن ما يقابله هو وجهة نظر رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي يعتقد أن ما يتحدث به وزير دفاعه هو مجرد ألاعيب بهلوانية ليس لها أي نصيب من النجاح.

وليس سهلاً أن يوافق الأميركيون على إعطاء سورية النفوذ الإقليمي الذي تريده، فهم لهم حساباتهم الخاصة في هذه المنطقة، ثم إن الاستجابة للمطالب والشروط السورية على هذا الصعيد يعني تغييراً شاملاً في معادلات هذه المنطقة، وهذا سيؤدي حتماً إلى المزيد من عدم الاستقرار، والمزيد من التطرف، وإلى أكثر مما يجري حالياً في العراق ولبنان وجمهورية غزة التي تأكل بعضها بعضاً كالنار إنْ هي لم تجد ما تأكله... وهذا كلّه يعرفه الأميركيون ولا يريدونه في هذه المرحلة على الأقل.

من المؤكد أن سورية لديها استعداد لأن تلعب هذه اللعبة، فهي في الأساس صاحبة شعار: «كل يقلِّعُ شوكه بنفسه وكل شاة معلقة من عرقوبها»... لكن ما يجب أن يكون في البال دائماً هو: هل تستطيع دمشق يا ترى تقديم الثمن الذي يطالب به باراك وهاليفي على الرغم من أن القرار على هذا الصعيد هو قرار أميركي؟!... والواضح أن الأميركيين باتوا على قناعة تامّة بأن جوهر أزمة الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية وأن حلَّ هذه القضية هو الذي يبعد شياطين التطرّف والإرهاب عــن هذه المنطقة!!

* كاتب وسياسي أردني

back to top