في هذه الفئة أُناس تمتد جذورهم إلى عشائر وقبائل عاشت على هذه الأرض منذ مئات السنوات، وربما قبل أن يوجد شيء اسمه الكويت، وإن كان الحديث عن الخير والجود، ففيهم من الأخيار من لا تسعهم الكلمات، وفيهم من أصحاب العقول والكفاءات الكثير لو كان قومي يعلمون.حين أكتب عن قضية البدون فليس هدفي السعي إلى منفعة ذاتية أو خاصة، فالمكاسب في الكتابة عن قضايا أخرى أكثر بكثير، كما يدرك ويلمس كثير من زملائنا في بلاط صاحبة الجلالة، وليس الهدف أيضا شغل الفراغ عبر الكتابة في موضوع والسلام، فليس أكثر من الموضوعات التي يمكن أن يُشغل بها الفراغ. مقصدي هو البحث عن حل حقيقي لهذه الأزمة التي أرى أنها واحدة من أخطر الأزمات التي تعتري الواقع الكويتي، إن لم تكن ستصبح الأخطر قاطبة في وقت من الأوقات!
لكن الظاهر أن مسعاي لا يلامس نفوس البعض، كذلك الذي أرسل ينعتني بأني من «اللَّفو» الطارئين على الكويت، ولذلك أتعاطف مع أبناء جلدتي «البدون»!
لن أقف كثيرا عند جزئية «اللَّفو»، من باب علمي بأن نسبة معتبرة من «الكويتيين» لا يزالون يعيشون عقدة عيال بطنها وعيال ظهرها، وداخل السور وخارجه، ولايزال بعضهم يرى في البدو «لفوا» ابتُليت بهم الكويت، وغلطة تاريخية يودون لو عاد بهم الزمان القهقري ليصححوها، ولا أشك كذلك بأن هذه العقلية نفسها هي أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل بعضهم يستميت في التصدي لأي محاولة لحل أزمة البدون! وعلى كل، فعجلة الزمان لا يمكن إرجاعها إلى الوراء بأي حال من الأحوال، ومن يدري فلعلها لو رجعت بمعجزة ما، لكان في كثير من الأمور أمور!
ولا يضرني كذلك أن أُتهم بالتعاطف مع البدون، لأنه إن كان الحديث عن الأصل والفصل ففي هذه الفئة أناس تمتد جذورهم إلى عشائر وقبائل عاشت على هذه الأرض منذ مئات السنوات، وربما قبل أن يوجد شيء اسمه الكويت، وإن كان الحديث عن الخير والجود، ففيهم من الأخيار من لا تسعهم الكلمات، وإن كان الحديث عن العقول ففيهم من أصحاب العقول والكفاءات الكثير لو كان قومي يعلمون.
ظريف آخر استخدم حجة غريبة للتدليل على عدم انتساب البدون إلى الكويت بقوله إن سحناتهم تكشف ذلك! يا مولانا هداك الله، خذ مئة كويتي من حملة الجنسية الأولى أبا عن جد، وانظر في سحناتهم وستجدها وقد جمعت من ملامح الشمال والجنوب والشرق والغرب ما الله به عليم، لذلك دعنا من هذه الحجة السخيفة، ولنتناقش بموضوعية.
الكويت بلد فسيفسائي وما ضر ذلك أي دولة في شيء، فسنغافورة التي تحوي واحدة من أعظم الفسيفسائيات في العالم الحديث، غدت من أكثر البلدان ازدهاراً واستقراراً وتقدما، ويا ليتنا نثني الركب في ساحاتها لنتعلم!
السؤال الذي يجدر بنا أن نواجهه، بل يجدر بحكومتنا الرشيدة أن تواجهه، هو إن كان قد ثبُت لها حقاً انتساب أعداد من البدون لجنسيات أخرى، فأين الدليل على ذلك؟ ولماذا لا يتم التعامل معهم على هذا الأساس عبر سفارات بلدانهم؟ أو يُحالون إلى القضاء ليُقتص منهم بتهمة التزوير؟ وبذلك يعطى كل ذي حق حقه، وينال كل مذنب عقابه؟ لماذا تبقى المسألة معلقة هكذا وكأنه يُرتجى للبدون أن يتلاشوا؟ وكذلك إن كان قد ثبت استحقاق فئة منهم للجنسية، ولو كانت قليلة، فلماذا الانتظار؟ ولماذا لا تُنهى معاناتهم؟!
ألا يكشف هذا عن تخبط أو ربما تلكؤ حكومي، أو حتى ربما عن أن الحكومة لا تريد في الحقيقة للقضية حلاً؟ وألا يوصلنا إلى نفس نتيجة المقال السابق وأنه ربما لا حل لقضية البدون إلاّ من الخارج؟!