Ad

المواطن لا يثق بحكومته لذا لا يريد أن يقبل كلامها بأن إسقاط القروض أو شراءها سيرهق الميزانية، لأنه لا يفهم مثلاً كيف أن إسقاط القروض عن أكثر من 60% من الشعب الكويتي، والذي سيكلف الدولة أقل من ثلاثة مليارات دينار في زمن بلغ فيه سعر برميل النفط أعلى أسعاره التاريخية، سيؤدي إلى ذلك العبء، بينما لم يرهق الميزانية إسقاط ما يوازي تسعة مليارات دينار من المديونيات الصعبة عن بضع عشرات من كبار القوم في ذلك الزمن، الذي كان فيه سعر برميل البترول لا يتجاوز الاثني عشر دولاراً!

منذ عام وفي الوقت نفسه تقريباً كتبت على خلفية موضوع إسقاط القروض، الذي تجدد هذه الأيام بشكل جديد هو شراء المديونيات، مقالاً تحدثت فيه عن أن هذا الموضوع بملابساته وتفريعاته التي نشاهدها معه، هو أعقد بكثير من المعادلة التبسيطية التي يضعه فيها أغلب متناوليه، من حيث انه ديون استهلاكية لمواطنين يريدون من الحكومة إسقاطها في ظل الوفرة المالية التي تعيشها الدولة في هذه الأيام.

وقلت إن هذه المطالبة، وإن كانت في قشرتها الخارجية مطالبة من المدينين الذين يريدون التخلص من ديونهم، أياً كانت أسبابها، هي في باطنها تعبير مباشر ودليل صارخ على ما وصل إليه حجم ثقة المواطنين في الحكومة، فالمواطن وهو يتابع يومياً مسلسل الفساد وقصص التنفيع الحكومي والهدر المالي والفشل الإداري في قطاعات الدولة المختلفة، كقيام الحكومة بخصخصة بعض القطاعات بالرغم من ربحيتها لأجل التنفيع المباشر لأفراد وفئات معينة، ومشاريع الـBOT التي أعطيت للبعض بأبخس الأسعار، ومؤسسات الدولة المتردية الآخذة في اجترار الخسائر عاماً بعد عام، وقطاعات البنية التحتية من صحة وتعليم وبلدية والتي بلغت من السوء ما لا يمكن تصديقه، صار اليوم، أي المواطن، لا يثق إطلاقاً بقدرتها، أي الحكومة، ولا يؤمن بحسن تصرفها بالوفرة المالية التي توافرت للبلاد.

المواطن لا يثق بحكومته لذا لا يريد أن يقبل كلامها بأن إسقاطها قروضه أو شراءها مديونياته سيرهق الميزانية وسيؤثر في المستقبل الاقتصادي للكويت، لأنه لا يفهم مثلاً كيف أن إسقاط القروض عن أكثر من ستين في المئة من الشعب الكويتي، والذي سيكلف الدولة أقل من ثلاثة مليارات دينار في زمن بلغ فيه سعر برميل النفط أعلى أسعاره التاريخية، سيؤدي إلى ذلك العبء، بينما لم يرهق الميزانية ولم يؤثر في اقتصاد الكويت إسقاط ما يوازي تسعة مليارات دينار من المديونيات الصعبة عن بضع عشرات من كبار القوم في ذلك الزمن الذي كان فيه سعر برميل البترول لا يتجاوز الاثني عشر دولاراً!

المواطن ومهما كان بسيطاً في ثقافته، فإنه يرى كيف تتجاهل حكومته هذه المشكلة مكتفية بالرفض القاطع من دون تقديم أي بدائل منطقية، وكأنها تتجاهله عمداً أو لا تشعر بمسؤوليتها تجاهه، لذلك فلا يجب أن نلومه لفقدانه ثقته فيها!

إن مقالي هذا ليس دعوة إلى إسقاط القروض أو شراء المديونيات، فأنا ضد الأمر بشكله الحالي ولي موقف واضح وصريح من المسألة، لكنه دعوة إلى الحكومة أن تدرك أنها لا تواجه اليوم قطاعا من الشعب مدللاً واستهلاكياً يريد أن يستمتع بالثروة من دون أن يقدم إلى بلده شيئاً كما يحاول بعضهم أن يشيع، وإنما تواجه ما هو أخطر من ذلك بكثير، والذي هو شعب فاقد الثقة بها وبقدراتها، لذلك فإن كانت تتجه فعلاً إلى رفض الموضوع جملة وتفصيلاً، وأظنها ستفعل، فمن اللازم عليها أن تقدم اليوم حلولاً بديلة وعاجلة ليس لعلاج مسألة مديونيات المواطنين وقروضهم فحسب، بل لتحسين صورتها في عيون مواطنيها لعلّها تستعيد بعضاً من ثقتهم بها، لأن حكومة لا يثق بها مواطنوها، حكومة فاشلة بكل المقاييس!