Ad

لست معارضاً لترشيد، ولا اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولا لغيرها من الحملات الحكومية ولجانها الدائمة وغير الدائمة، لكنني معارض وسأبقى معارضاً لهدر أموال هذا البلد على التهويل والتطويل والتمطيط لفائدة أطراف ما.

أعترف بأن حملة «ترشيد»، لترشيد الكهرباء قد استطاعت أن تخلق لنفسها مهابة في نفوس الناس، وأن تحشر نفسها عنوة في عقولهم لإقناعهم بجدواها. لكنني أدرك أن هذا الأمر لم يتحقق في الواقع لنجاحها في معالجة مشكلة الكهرباء، وإنما بسبب حملتها الإعلامية المليونية، نسبة إلى الأموال التي صرفت عليها، والتي لم تنفك تقتحم الناس في كل وسيلة مرئية ومسموعة ومقروءة كمطرقة من حديد!

من قام برصد الحملة وتطورها الإعلاني، سيجد أنها في البدء ناشدت المواطنين العمل على ترشيد استهلاك الكهرباء، الأمر الذي بالرغم من تحفظاتنا على تكلفته ووسائله بقي مفهوماً ومقبولا من حملة مباشرة هدفت إلى التعامل مع أزمة نقص الكهرباء الحادة والعاجلة. لكن هذه الحملة وبعد انتهاء الصيف، وتجاوز البلاد لتلك المرحلة الحرجة استمرت وتحولت إلى إعلانات أخرى مختلفة تماماً، لعلها تكلفت من الأموال ما يماثل ما أنفق على الحملة الابتدائية.

قامت «ترشيد» بالتحول من دعوة المواطنين إلى الترشيد والعمل على غرس هذا المبدأ ليصبح ثقافتهم الدائمة إلى الإشادة بنفسها وبنجاحها، فظهرت سلسلة طويلة من إعلانات مبرمجة باحتراف شديد تظهر كيف نجحت الحملة نجاحاً معجزاً، وتلتها إعلانات كلفت آلاف الدنانير بطول صفحات كاملة في مختلف الصحف تظهر جائزة حصلت عليها الحملة لتميزها، وتخللت هذا كله تصريحات مطبوخة معدة سلفاً على ألسنة شخصيات عامة، جاءت لتشيد بالحملة وبالقائمين عليها وكأنها وكأنهم من أنقذ الكويت من الهلاك!

الإعلامي المتخصص يدرك أن المقصود من هذه الإعلانات التي تضرب على أوتار اللاوعي هو التسويق لاستمرار الحملة وذلك من خلال إقناع أصحاب القرار والمرتبطين بهذا الشأن بأهميتها القصوى، وإحراج كل من تسوّل له نفسه على معارضتها، أو حتى انتقادها على الأقل، لأنه سيجد نفسه أمام تيار الأغلبية الذي تمت برمجته ليدعمها!

لدي شعور بأن جماعة «ترشيد» يهيئوننا نفسياً لتحولها إلى شيء دائم على غرار «اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية»، والتي أرجو أن لا أكون أسقطت شيئاً من اسمها الأكثر عظمة من حقيقة عملها، تلك اللجنة التي ابتدأت أعمالها في ديسمبر 1991م كلجنة مؤقتة مدتها سنتان وإذا بها تتحول إلى لجنة دائمة بمقر فخم ومناصب أفخم ورواتب مجزية ومكافآت ورحلات وصلت حتى إلى البرازيل وسيارات فارهة وغيرها، ولا تزال إلى يومنا هذا... بعد ستة عشر عاماً لم تصل إلى استكمال تطبيق أحكام الشريعة، الأمر الذي جعل البعض يسأل متندراً: ما هذا الدين شديد التعقيد الذي يصعب تطبيقه إلى هذا الحد؟!

أنا لست معارضا للترشيد، لكنني معارض للتهويل. ما ينشر عن إنجازات هذه الحملة مبالغ فيه ومهوّل بشكل فاقع ديناصوري وبلا دلائل ولا إثباتات. يخرجون علينا فيقولون إن «ترشيد» أنقذت البلاد من القطع المبرمج، ولا يتحدثون عن القطع غير المبرمج الذي لم يكن يمر يوم خلال الصيف إلا وتعانيه منطقة هنا أو هناك بسبب زيادة الأحمال. يتباهون بأكثر من مائتي مليون وفرتها ترشيد، لا أدري كيف حُسبت؟ ويحجمون عن ذكر تكلفة ملايين ترشيد نفسها وتكلفة إصلاح الانقطاعات غير المبرمجة وبقية المصروفات المرتبطة بهذا الشأن!

لست معارضاً لترشيد، ولا اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولا لغيرها من الحملات الحكومية ولجانها الدائمة وغير الدائمة، لكنني معارض وسأبقى معارضاً لهدر أموال هذا البلد على التهويل والتطويل والتمطيط لفائدة أطراف ما، ليبقى الوطن ومواطنوه آخر المستفيدين!