Ad

يمثل الإعلام المنبر الجماهيري الأضخم للتعبير عن آراء المواطن وهمومه وعرض قضاياه وشكاواه، بل إن وسائل الإعلام الحديثة، في ضوء حرية تدفق المعلومات وعصر السماوات المفتوحة، باتت هي أبرز الأدوات لانتقال الثقافات وتبادل الخبرات بين مواطني مختلف الدول في شتى بقاع المعمورة.

ضغط موضوع الإعلام بشدة على العقول والنفوس والأوقات في الآونة الأخيرة، لدرجة أن القاهرة شهدت ورش عمل وندوات ومؤتمرات عدة حول الإعلام والنزاعات المسلحة، والإعلام وقضية اللاجئين، والإعلام والإرهاب، والإعلام والفتنة الطائفية في مصر، والإعلام والمواطنة، والإعلام والديموقراطية والمسؤولية المجتمعية، كان القاسم المشترك فيها هو الحرية والحيادية والارتقاء المهني. حيث بدا الجميع متفقين على أنه لا إعلام من دون حرية، وأن قدرا معقولا من الحيادية مهم للإعلام كي يؤدي دوره المهني على الوجه الأكمل، وأن حال الإعلام العربي الآن ينطبق عليها قول الأديب الكبير يوسف إدريس «إن الحرية المتاحة في العالم العربي برمته لا تكفي كاتباً واحداً». كما اتفق الجميع على أن المال وحده لا يصنع إعلاما ناجحا، وأن الشفافية وانسياب المعلومات بلا كوابح ولا حواجز أو قيود عملية ضرورية لإيجاد إعلام قادر على المنافسة، يتمتع بالمصداقية، ويتحرى الدقة في كل ما يطرحه، ويحترم عقلية المتلقي، ويدافع عن حقه في معرفة ما يجري.

وبالطبع فإنه لا يمكن أن نفهم على وجه الدقة معنى الحرية الإعلامية من دون إمعان النظر في السياق العام الذي يحكم عملية الاتصال بوجه عام، إذ يجب أن ننظر إلى هذه القضية في ضوء الأخذ والرد حول استشراف أثر التطور التكنولوجي ومتطلبات الفضاء المفتوح على الاتصال بوصفه عملية نفسية اجتماعية ضرورية للإنسان، وحقلا معرفيا يدرس تبادل المعاني بين الأفراد في المجتمع عبر نظام مشترك من الرموز، ينتشر في الزمان والمكان، ويتمتع بالاستمرارية وقابلية التنبؤ. فالثورة التقنية التي شهدها عالم الاتصال في العقد الأخير أزاحت من طريقها مفاهيم قديمة عن الإعلام، وجرفت أمامها تصورات طالما ربطت بين الإعلام والسيادة، وخلطته بالدعاية والوعظ، وأخضعته للرقابة الشديدة التي تسببت في حجب المعلومات عن الناس، في ظل الوظيفة التي تحددها السلطة للإعلام المحلي.

وبدت الكوابح التي ترمي إلى الحد من أي آثار سلبية لهذه الثورة، مثل ميثاق الأمم المتحدة، والدساتير والقوانين الوطنية، والخصوصيات الثقافية والاجتماعية، ضعيفة أمام قدرة شبكة المعلومات على اختراق الحواجز، وتحدي السيادة الوطنية. فالفضائيات التي باتت حقلا مربحا للاستثمار، تنقلها الأقمار الصناعية إلى كل مكان، من دون أي عناية بالمفهوم التقليدي لسيادة الدول، ولا مراعاة لأي خصوصيات تصنعها الأديان والتقاليد والأعراف. والإنترنت تطور بمجتمع المعلومات من الحاسوب الشخصي إلى الطريق السريع للمعلومات، وفتح الباب أمام استخدام وسائل إعلامية أسرع وأشد انتشارا ونفاذا في الحرب والدعاية، وفي التجارة الإلكترونية، وفي مجالات خدمية مثل الطب والتربية والتعليم... إلخ.

ومما يبدو جليا لكل عين بصيرة وعقل فهيم أنه لا يمكن رسم معالم مستقبل للإعلام المصري، المقروء والمرئي والمسموع، هو وغيره من الإعلام المحلي لأي دولة، إلا في إطار هذا السياق الأوسع، ولا يمكن تقبله إلا مع التقدم المستمر نحو حرية التعبير، والترقي المتتابع في استخدام أحدث التقنيات، مع التركيز على تنمية المهارات المهنية، بالتدريب المستمر، وترقية الجوانب الإنسانية للعاملين في الحقل الإعلامي، بالمعاملة الحسنة.

إن للإعلام بأنماطه ووسائله المتعددة دورا بالغ الأهمية في بناء الإنسان عبر تعزيز انتمائه الوطني وتثقيفه وتعريفه بحقوقه وواجباته في الميادين كافة، وكذلك في بناء المجتمع من خلال الارتقاء بالرؤى والتصورات التي تساعد الناس على أن يصبحوا قيمة مضافة في عملية التنمية وانصهار الجماعة الوطنية والالتفاف حول مشروع قومي للدولة. ويمثل الإعلام المنبر الجماهيري الأضخم للتعبير عن آراء المواطن وهمومه وعرض قضاياه وشكاواه، بل إن وسائل الإعلام الحديثة، في ضوء حرية تدفق المعلومات وعصر السماوات المفتوحة، باتت هي أبرز الأدوات لانتقال الثقافات وتبادل الخبرات بين مواطني مختلف الدول في شتى بقاع المعمورة. وعلى المستوى المحلي باتت وسائل الإعلام في بعض الدول تؤدي دورا يفوق دور الأحزاب السياسية وجماعات المصالح.

وتعد قضية تطوير أداء الإعلام العربي عامة، والمصري خاصة، ليرتقي على المستوى المهني والأخلاقي ويعكس نبض المجتمع من المسائل الجوهرية التي يجب أن تحظى باهتمام المسؤولين والكتّاب والمثقفين والإعلاميين المصريين أنفسهم، فالجميع من الضروري أن يبحثوا باستفاضة دور الإعلام في تناول القضايا التي تشغل بال المجتمع المصري في الوقت الراهن، سواء كانت قضايا سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، وذلك بغية الوقوف على درجة أداء الإعلام لوظائفه الرئيسة، وعلى مدى وجود جوانب خلل وقصور، بما يسهل عملية البحث عن الاستراتيجيات المثلى لتفعيل دور مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

* كاتب وباحث مصري