حق الكلمة... حق الحياة
حين يزهو الفنان والكاتب والإعلامي والسياسي والرياضي، وكل منهم معط ٍنفسه حق اختراق ودخول لحظات حياة الناس الخاصة، في بيوتهم ومكاتبهم وغرف نومهم، عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، حينها يجب أن يكون معلوماً وواضحاً أن عامّة الناس تمتلك حقاً مكافئاً تمنحه لنفسها للدخول إلى عالم الفنان والأديب والإعلامي والسياسي والرياضي، ومعرفة دقائق خصوصيات حياته.
لقد أثار كتاب الصحافية آنا بيتون المعنون بـ «سيسيليا»، في الأيام القليلة الماضية، جدلاً كبيراً بشأنه، حيث نقلت الصحافية آنا عن السيدة سيسيليا مطلقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وصفها للسيد الرئيس بأنه «رجل لا يحب أحداً، ولا حتى أولاده»، وأنه «يطارد النساء»، و«رخيص»، و«تافه»، فضلاً عن أنه «بخيل جداً»، و«لا يصلح رئيساً للجمهورية ولديه مشكلة سلوكية حقيقية»، مما حدا بمحامية السيدة سيسيليا ميشيل كاهين إلى رفع دعوى أمام القضاء الفرنسي للنظر في منع نشر الكتاب، لأنه ينقل مقاطع وتصريحات عن السيدة سيسيليا لم تقُلها قط، لكن القضاء رفض الدعوة، وسمح بنشر الكتاب ليكون في متناول القراء. إن ما يلفت النظر في قضية كتاب سيسيليا، هو ليس إقدام صحافية على نشر كتاب يتناول تفاصيل دقائق حياة زوجة الرئيس الفرنسي السابقة، ولا كونه يتعرض لرئيس واحدة من أهم دول العالم بأقذع الصفات، ولا الدعوة المنظورة أمام القضاء بمنع الكتاب، بل إن ما يلفت النظر حقاً، ويستحق الاحترام، هو أن كل هذا يجري أمام مشهد ومسمع الجمهور، داخل وخارج فرنسا، من دون النظر إلى شخصية الرئيس الاعتبارية، وبعيداً عن أي احتراب ونفي للآخر، وأن سلطة القضاء وحدها مخولة النظر إلى حيثيات القضية، ومن ثم إصدار حكمها في منع أو نشر الكتاب، وهذا برمته يؤكد أن لا سلطة فوق سلطة الكلمة، وأن لا حكم نهائيا إلا حكم القضاء. إن النظر إلى عالم اليوم بوصفه عالماً صغيراً متصلاً ومتواصلاً ومنكشفاً بعضه على بعض، يحتم علينا أن نتعلم من تجارب الآخر، فنحن في العالم العربي أحوج ما نكون إلى تعلم الدرس: درس حرية الكتابة، ودرس الكتابة عن حياة الرؤساء، ودرس رفع الدعوة، ودرس حق القضاء المطلق في إصدار أحكامه، وأخيراً الدرس الأهم وهو أن يجري هذا سلمياً من دون أن يحمل أحد سكيناً أو مسدساً ويطلق حقده ونفيه على الآخر. إن العالم يعيش عصر الصورة، لكنه أيضا مازال يعيش عصر الكلمة، الكلمة في حقها المضمون في الوصول إلى أي معلومة. والكلمة في سحرها وأثرها في المتلقي. وأخيراً الكلمة في كونها وصلاً لا بديل عنه بين البشر.