Ad

لسنا بحاجة إلى وقت طويل لندرك أن السبب الوحيد، هو أن الحكومة ليست شخصاً واحداً، وأن رئيس الحكومة، ومهما قالوا عن ميله الإصلاحي، فإنه ما كان ليستطيع أن يفعل شيئا دون وجود فريق كفء من الوزراء يعينه، وكيف سيكون له ذلك في ظل الآلية الخاطئة لتكوين الحكومة، التي أفضت ثلاث مرات على التوالي إلى عزوف الكفاءات الحقيقية عن القبول بالمناصب الوزارية.

آثرت خلال الفترة الماضية ألا أتناول موضوع استجواب وزير النفط الشيخ علي الجراح، ولعلي في ذلك ركبت مع (حدس) على موجتها الجديدة المتمثلة في التريث، بالرغم من أنها كانت سابقاً أبعد ما تكون عن التريث في كثير من مواقفها، ولكن سبحان من يغير الأحوال، ومن تسير الرياح بأمره!

واليوم، وبعدما انقشع الدخان ورأينا جميعا اندلاع آتون حارق ساحق وقع فيه وزير هش غرّر به ليدافع عن قضية خاسرة سلفاً، أشعله مستجوبون أقوياء محترفون يستندون إلى دعم شعبي كبير، لم ينته إلى تقديم عشرة نواب لطلب طرح الثقة فحسب، إنما إلى وجود طلب آخر يسانده من عشرة آخرين، لأن النصر له ألف أب أما الهزيمة فلقيطة لا أب لها، كما يقولون.

وبعيداً عما ستؤول إليه الأحداث من كون الجراح قد قدم استقالته وستقبل كما هو متوقع، أو إن كان رئيس الحكومة سينقله إلى وزارة أخرى، وبعيداً عن كل المحاولات المسكينة للقول إنه كان ضحية للعبة سياسية وافتراءات واستهداف شخصي، أقول بغض النظر عن ذلك كله، إن الناس قد شهدت احتراقاً سياسياً كاملاً للشيخ الجراح، ذكّرها بما شهدته منذ فترة ليست بالبعيدة للشيخ أحمد العبدالله وزير الصحة السابق بعد تعرضه للاستجواب أيضا ومحاولاته المضنية للنجاة أيضا من خلال استدرار تعاطف الناس!

اليوم وبعد هذه الملحمة التاريخية الخيالية، التي نسج أحداثها الأساسية طرف واحد تفنن وبرع في سحق الوزير والحكومة بأسرها ليقتنص انتصاراً سياسياً وانتخابياً مهماً، لا يجد المرء نفسه إلا شاعراً ولو أراد عكس ذلك بالأسى والمرارة على ما حصل وعلى ما وصلت إليه أجواؤنا السياسية.

لم تمن حكومة جراحاً غائرة وهزائم متوالية، كما منيت الحكومات الثلاث المتعاقبة للشيخ ناصر المحمد، هذا بالرغم من كل ما قيل عن كونه رجلاً إصلاحياً جاء لتقديم شيء حقيقي على أرض الواقع لهذا الوطن، فما السبب يا ترى؟!

لسنا بحاجة الى وقت طويل لندرك أن السبب الوحيد، هو أن الحكومة ليست شخصاً واحداً، وأن رئيس الحكومة، ومهما قالوا عن ميله الإصلاحي، فإنه ما كان ليستطيع أن يفعل شيئا دون وجود فريق كفء من الوزراء يعينه، وكيف كان سيكون له ذلك في ظل الآلية الخاطئة لتكوين الحكومة، التي أفضت ثلاث مرات على التوالي إلى عزوف الكفاءات الحقيقية عن القبول بالمناصب الوزارية، واتجاهها غالبا إلى من جاؤوا لأجل الوجاهة والمنفعة الشخصية، وفي ظل أسلوب الموازنات السياسية والترضيات الفئوية الذي لم يحصّن الحكومة من المساءلة، بل لم يجعل لها على الإطلاق حلفاء حقيقيين، كما رأينا بالأمس وقبله وقبله!

إذن، هل هناك داع لأن أكرر للمرة الألف أن حكوماتنا ستستمر في تلقي الضربات، والوقوع في أتون الاستجوابات، وأنها ستحترق أكثر وأكثر في ظل آلياتنا السياسية القائمة التي غدت غير صالحة للحياة؟ لا أدري، ولكنني سأكرره وأكرره لعل قومي يدركون!

أعترف أني كنت سأكون سعيداً أكثر لو أن هذه الاستجوابات المتتالية أفضت إلى إصلاح حقيقي وتصحيح لما يطرح فيها، لكن هذا لم يحدث في السابق ولا أظنه سيحصل اليوم، لذا فلست سعيداً كثيرا بها، لكنني لست سعيداً البتة وأنا أرى أبناء الأسرة من الوزراء يسحقون واحداً تلو الآخر على المذبح السياسي... وسبحان من تسير الرياح بأمره!