Ad

عندما لوّح العرب باستخدام النفط كسلاح وخفضت الإنتاج بنسبة عشرة في المئة في عام 1973 قامت قيامة الدنيا وجهزت واشنطن أساطيلها لاحتلال منابع النفط في الخليج، بينما الكيان الصهيوني يستخدمه الآن ليس كسلاح وإنما كأداة إعدام لشعب كامل في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان تعتبرها الإدارة الأميركية إجراءً أمنياً ودفاعاً عن النفس.

تداعيات أحداث غزة تؤكد حقيقة واحدة تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم لتجسد قيمة ومكانة القيادة السياسية العربية ليس على المستوى العالمي فحسب، بل حتى على صعيد تمثيل ضمير وإرادة الشعوب العربية نفسها. فما من حكومة على وجه الأرض اليوم إلا وتناضل من أجل شعبها وكرامته ويُستثنى من ذلك الحكومات العربية التي تتسابق في إذلال أمتها من أجل أعدائها.

فالمآسي الإنسانية المترتبة على الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة بصورها المدمية للقلب والوجدان على شاشات الفضائيات العالمية لم تأتِ لتزيد ما هو جديد على ثوب الكرامة العربية البالي، ولكنها تؤكد وترسم خارطة مخيفة لحاضر ومستقبل الشعوب العربية قاطبة في ظل الهيكلية الجديدة لمراكز القوة والتأثير في المنظومة العالمية القائمة.

ولعل من أبرز مؤشرات ذلك أن يصل الحال إلى سلب الإرادة حتى في اتخاذ قرارات على المستوى الداخلي تقتضيها حالات الطوارئ القصوى، فهل يعقل أو يُتحمل منظر الخذلان والموقف المتفرج للعرب أمام قطع مصدر الطاقة الوحيد لشعب كامل يعيش أصلاً حصاراً شاملاً ويقبع تحت احتلال منذ نصف قرن وعلى بقعة محدودة جغرافية لا تتجاوز 300 كيلومتر مربع ليُحرم من الكهرباء والنفط العربي الذي وصل سعره إلى مائة دولار للبرميل يغذي محطات الوقود والطاقة والكهرباء في أرجاء الكرة الأرضية.

والأكثر استغراباً ومثيراً للغضب والاشمئزاز أنه لما لوح العرب باستخدام النفط كسلاح وخفضت الإنتاج بنسبة عشرة في المئة في عام 1973 ضد أقوى اقتصادات العالم الصناعي المترف قامت قيامة الدنيا وجهزت الولايات المتحدة أساطيلها لغزو واحتلال منابع النفط في الخليج، بينما الكيان الصهيوني يستخدم أحد مشتقات النفط ليس كسلاح وإنما كأداة إعدام لشعب كامل في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان تعتبرها الإدارة الأميركية إجراءً أمنياً ودفاعاً عن النفس.

والمذلة لا تقف عند هذا الحد ولكن في مشاركة القيادات العربية في هذه الجريمة إذ عجزت وتجاهلت على مدى شهور من التهديدات الإسرائيلية بقطع كهرباء غزة من إيصال ولو غالون واحد من النفط للشعب الفلسطيني، فقطاع غزة لا يبعد سوى بضع خطوات من الأراضي الفلسطينية والعمالة الفنية الفلسطينية التي دشنت البنية التحتية للكثير من الدول العربية وخصوصاً في الخليج قادرة على إنجاز مشروع مد خطوط لإمداد محطتهم الكهربائية بالوقود في زمن قياسي يتم بعدها ضخ النفط العربي لها، ولكن السؤال هل تملك القيادات العربية هذه الجرأة؟

إن دول الخليج وحدها خصصت 400 ألف برميل من النفط للعراق لمدة ثماني سنوات خلال الحرب العراقية الإيرانية على الرغم أن العراق كان يعتبر ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم ويملك ثاني أكبر احتياطي عالمي، فالفرق هنا يكمن في صاحب وإرادة القرار!!

ومن ناحية أخرى، أليس من المخجل والمعيب أن تفجر العبوات الناسفة معبر رفح وهو المنفذ الوحيد للفلسطينيين على العالم العربي من خلال مصر، وعاصمة أكبر دولة عربية ثقلاً سياسياً تنتظر الموافقة الإسرائيلية على فتح حدودها مع شعب عربي؟

هذه بعض صور المأساة العربية الحقيقية وليست صور أشلاء أطفال غزة ونسائها الثكلى، وهذه أبرز مؤشرات اتجاهات السياسة العربية الراهنة والقادمة؟

نعلم أن الكثير من القيادات الفلسطينية وحتى الفصائل لها موقف مشين من الخليج والكويت تحديداً، وحتى الآن ترفع صور مجرم العصر صدام في مسيراتها من دون حياء ولكن الوقوف مع القضية الفلسطينية يظل مبدأً شرعياً في المقام الأول ومسؤولية قومية وإنسانية تجاه الأطفال والمستضعفين من الشعب المقهور، وجزءاً من منظومة الأمن العربي والاستقرار الإقليمي وقيمةً من قيم العزة والكرامة!! (فمتى تعي؟)...!