حاولت الحكومة عن طريق إجراءاتها إعادة هيبتها، لكن تناقض قراراتها وتصريحات وزرائها «التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع» زادت من فقدان هيبتها ووضعتها في موقع العاجز عن تطبيق القانون بالرغم من الخطوات غير المسبوقة التي قامت بها، لكن السؤال هو: هل قامت الحكومة بإغراق نفسها في هذا الوحل أم أن الحكومة الخفية هي من قامت بذلك كالعادة؟!منذ حل مجلس الأمة والحكومة تهدد وتتوعد الفرعيات بتطبيق القانون، وبالرغم من بعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمنع الفرعيات «مع تحفظي على الأسلوب» فإن إحدى الفرعيات أقيمت رغماً عن أنف القانون والحكومة، لكن ما أثارني هو تصريح وزير الداخلية بأنه تجول في الدائرة الخامسة ولم يلحظ أي مظاهر لهكذا أفعال!! ولدي عدة ملاحظات على هذا التصريح:
أولاً: هل من واجب وزير الداخلية أن يقوم بنفسه بالتجول بحثا عن مظاهر الفرعيات أم أن ذلك جزء من عمل العلاقات العامة، ثانياً: إن إعلان نتيجة الانتخابات الفرعية في نفس يوم تصريح الوزير هو بحد ذاته إضعاف للوزير ولإجراءات تطبيق القانون! ثالثاً: إن تصريح الوزير مناقض للإجراءات التي قامت بها وزارته، فما نقلته الصحف هو أن رجال الداخلية رصدوا هذه الانتخابات ومراكزها إلى حد أن أحدهم تعرض للتهديد المباشر من أحد منظمي الفرعية، بل إن بعض المعلومات تقول إن «الداخلية» كانت جاهزة لمداهمة هذه المراكز لكن لم يتم الأمر بذلك. بهذا نكون قد رجعنا إلى نفس الإجراءات السابقة، حيث تتم الفرعيات ثم يحال المشاركون فيها إلى القضاء لتتم تبرئتهم بحجة عدم وجود أدلة!
والسؤال الملح هنا هو: لماذا لم تمنع «الداخلية» هذه الفرعية التي شارك فيها 6 آلاف شخص وليس 10 أو حتى 100 ما دامت تملك الأدلة الدامغة على حدوثها كما صرح وزير الداخلية قبل يومين؟ فالسقوط في هذا الاختبار معناه السقوط في باقي الاختبارات القادمة، إذ إن إحدى الفرعيات قد حصلت بالفعل فهذا معناه أن باقي الفرعيات ستستمر في الدائرة الخامسة حتى لو تطلب إجراؤها بالقرعة «حسب ما ورد من معلومات» لأن باقي القبائل لن تقف مكتوفة الأيدي، وستقام في المستقبل من أجل إعادة التوازن في تلك الدائرة.
أما عن الحكومة ككل، فلن أحملها أخطاء الحكومات السابقة طوال السنين الماضية، والتي كرست هذا الواقع القبلي والطائفي، بل سأشير لما تحاول القيام به اليوم في تطبيق القانون، فكيف بحكومة تضم وزيرين ولدا من رحم الفرعيات يمكن أن تحارب هذه الظاهرة؟!
كما أن تأجيل إصدار مرسوم الدعوة إلى الانتخابات ساهم في شكل مباشر في إعطاء منظمي الفرعيات فرصة لترتيب أوراقهم والاستعداد لإقامة هذه الانتخابات في شكل مختلف يتطلب وقتا كافياً لإعدادها.
لقد حاولت الحكومة عن طريق إجراءاتها إعادة هيبتها، لكن تناقض قراراتها وتصريحات وزرائها «التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع» زادت من فقدان هيبتها ووضعتها في موقع العاجز عن تطبيق القانون بالرغم من الخطوات غير المسبوقة التي قامت بها، لكن السؤال هو: هل قامت الحكومة بإغراق نفسها في هذا الوحل أم أن الحكومة الخفية هي من قامت بذلك كالعادة؟!
***
حسنا فعلت الحكومة بتمكين المواطنين من التصويت بالجنسية فقط، فالبطاقة الانتخابية فكرة سخيفة من الأساس ويجب إلغاؤها تماماً لأنها ليست إلا إجراءً بيروقراطيا إضافيا لا فائدة منه، أما عن مرسوم تنظيم التجمعات فهو إجراء غير موفق من الحكومة، وسيتم إسقاطه في المجلس القادم مثلما أسقطت المجالس السابقة كل المراسيم غير الضرورية.