محمد تي في
من الوسائل المهمة لبلوغ هدف تبصير الناس بالإسلام إنشاء قناة فضائية إسلامية تنطق باللغات العالمية الحية، وفي مقدمتها الإنكليزية والفرنسية والصينية واليابانية، وتأخذ على عاتقها تصحيح الصورة السلبية التي رسخها مغرضون ومتطرفون في أذهان العالم عن الإسلام.
لم يكن من المستساغ أن تقف جهود المسلمين في تصديهم للرسوم المسيئة إلى الرسول الكريم عند حد الاعتراض، السلمي والعنيف، أو عند المناداة بمقاطعة منتجات الدانمرك، ولا حتى الدعوة إلى إصدار قرار دولي يلزم الناس في مشارق الأرض ومغاربها باحترام المعتقدات، وعدم إيذاء المشاعر الدينية، بل كان يجب أن تمتد هذه الجهود لإبداع عمل خلاق، يعالج المشكلة على المدى الطويل، ويمنع ظهور مثلها في المستقبل، ويحقق الجانب الذي أغفله المسلمون طويلاً من الرسالة الخاتمة، وهو تبصير الناس بما ينطوي عليه الإسلام من عقيدة وعبادات ومعاملات، وإعلامهم بأن هناك تفكيراً وفقهاً إسلامياً، يختلف كليا عن الخطاب المتطرف، النازع إلى العنف، بل يعارضه في مهده، ويسعى إلى تطويقه ومنعه من اختطاف الإسلام كله، لحساب مغامرة أو مقامرة سياسية، قصيرة النظر، أو لحساب مصالح شخصية ضيقة، لا تراعي حرمة دين، ولا صورة أمة، ولا مستقبل شعوب، تعاني الفساد والاستبداد. وظني أن من الوسائل المهمة لبلوغ هذا الهدف إنشاء قناة فضائية إسلامية تنطق باللغات العالمية الحية، وفي مقدمتها الإنكليزية والفرنسية والصينية واليابانية، وتأخذ على عاتقها تصحيح الصورة السلبية التي رسخها مغرضون ومتطرفون في أذهان العالم عن الإسلام، فشوهوا جزءاً منه كدين وحضارة وعطاء إنساني فياض. كما تعمل هذه الوسيلة على نشر الدعوة الإسلامية بطريقة سلمية عصرية، فتحقق فريضة غائبة في حياة المسلمين المعاصرين، الذين اكتفت الأغلبية الكاسحة منهم بلوم الناس على الإساءة إلى الإسلام، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تعريفهم بهذا الدين. وقبل أيام سمعت من أحد أصدقائي أن هناك قناة تسمى «محمد تي في» ستأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة الجليلة، بعد أن تأخر القائمون على الدعوة الإسلامية، وحكام الدول المسلمة، طويلاً في إطلاق مثل هذه القناة، في وقت امتلأ فيه الفضاء بقنوات تبث من بلاد عربية وإسلامية، تعرض أغاني وأفلاما وبرامج ترفيهية خفيفة، وفي كثير من الأحيان تقتات على ما يتبقى من الإعلام الغربي، في رحلة بحث عن الكسب السريع، وفي نزول وخضوع لذائقة تردّت عند الأغلبية الكاسحة من العرب والمسلمين، وفي وقوع تحت طائلة الشعار الجهنمي الذي يقول «الأكثر نجاحاً هو الأعلى إيراداً». وإطلاق هذه القناة في حد ذاته أمر مهم، لكن الأهم منه هو مضمون المادة التي سيتم بثها، والتي يجب أن تخضع لأدوات الاحتراف الإعلامي في أعلى صوره، وأحدث طرائقه، وليس لهيمنة حفنة من علماء الدين، مهما بلغ شأنهم في علوم الفقه والتفسير. كما يجب أن تعكس هذه القناة كل ألوان الطيف الفقهي والفكري الإسلامي، ولا تمثل صوتاً واحداً، أو نهجاً معيناً. فالإسلام، وكما هي الحال في أي دين، أنتج أفكاراً وأراءً فقهية عريضة، تدور حول «النص المؤسس» وهو القرآن الكريم، ومن الضروري أن يرى العالم المسلمين كما هم، في حال من الاختلاف الحميد الثري، وليس الخلاف أو الشقاق، وفي صورة غير تلك التي يقدمها الخطاب المتشدد، لفظاً وحركة، على أن تنبع هذه الصورة من الذات الحضارية الإسلامية، ولا تشكل رأس حربة لمشروع آخر، يريد النيل من المسلمين، أو تطويعهم ليذوبوا في مشروعات واستراتيجيات لدول كبرى. ومن الضروري أن تهتم هذه القناة، التي يجب أن تكون مختلفة شكلاً ومضموناً عن القنوات الدينية الراهنة، بمختلف ألوان الإعلام المرئي، ولا تتحول إلى قناة وعظ وإرشاد وخطب عصماء، بل تعرض التحقيقات الميدانية، التي تعرف الناس بحياة المسلمين المعاصرة، وآثارهم وتاريخهم القديم، ويكون فيها الدراما التاريخية الجذابة، التي تدور عن شخصيات مسلمة بارزة، وقيم إسلامية أكثر اتصالاً بالإرث الإنساني المشترك. كما يمكن لهذه القناة أن تعرض الكتب المهمة التي يصدرها فقهاء ومفكرون إسلاميون، أو الكتابات والمقالات التي تنشر عن الإسلام والمسلمين، خارج العالم الإسلامي. وفي مراحل لاحقة يجب أن تهتم هذه القناة بإنتاج برامج الأطفال، الفائقة الجودة والجاذبية، التي تحكي لصغار العالم عن المسلمين في الماضي والحاضر. ومن الضروري أن يسعى القائمون على هذه القناة إلى دفعها لتحقيق قدر من النجاح يؤهلها لتبادل البرامج وإنتاجها المشترك مع مؤسسات إعلامية أجنبيـة. وإلى جانب «محمد تي في» تنتظر الساحة قنوات أخرى، لن تجد صعوبة في تمويلها إن توافرت الإرادة، بل إنها قد لا تحتاج الواحدة منها بعد فترة من انطلاقها إلى مساهمة من أي حكومة، أو هبة من أي مسؤول، حال تمكنها من أن تكون قناة فضائية بالمقاييس العالمية، فعندها ستجذب رجال الأعمال في المنطقة، ليعلنوا للعالم من خلالها عن إنتاجهم، خاصة في الدول الإسلامية التي تنتج أكثر مما تستهلك، أو بقدر ما تستهلك. وقد تبدأ هذه المهمة بحملة تبرعات يقوم عليها علماء دين كبار، تساهم فيها الشعوب والحكومات، وقد يتطور الأمر إلى اكتتاب في أسهم لشركة إعلامية ضخمة تقوم على إدارة هذه القنوات، التي يجب أن تكون إحدى ثمار أجواء الغيرة على الرسول الكريم، وإحدى وسائل تحويل ما جرى من أمر سلبي ممقوت إلى طاقة إيجابية جبارة، تساعد المسلمين في معارك مماثلة، يبدو أنها آتية لا ريب فيها. *كاتب وباحث مصري