من تومْبلْبايْ... إلى دِيبي!!
إن مشكلة تشاد ليست إدريس دِيبي ولا الذي قبله ولا الذي سبقهما، إنها مشكلة الاستعمار الفرنسي الذي ذهب إلى أقاصي الدنيا حتى إلى فيتنام، باسم منطلقات الثورة الفرنسية وباسم الحضارة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وترك البلدان التي أنعم عليها بنعمة حضارته قاعاً صفصفاً.
من تومْبلْبايْ إلى عوكوني «كوكوني» ودَّاي «وِلْد الدايْ» إلى حسين حبري إلى إدريس دِيبي إلى الجديد القادم... وإلى أن تتوقف اللعبة الفرنسية التي هي لعبة الغرب كله فتستقر تشاد التي أُعطيت استقلالاً أسوأ من الاحتلال المباشر، وبقيت تتقاتل مع نفسها ومع الدول المجاورة تحت رايات هذا الاستقلال الذي جربته دول إفريقية كثيرة، بعضها كان ولايزال يتبع «الإليزيه» وبعضها يتبع بريطانيا العظمى والبعض الآخر الولايات المتحدة التي كانت بدأت بوراثة الاستعمار القديم، سواء في هذه المنطقة أو في العالم بأسره، بالموقف «الشجاع»!! الذي وقفه دوايت إيزنهاور خلال العدوان الثلاثي على مصر «حرب السويس» والذي يواصل الأميركيون بعده السير على هذا الطريق.أول رئيسٍ لهذه الدولة «تشاد» التي يبدو أنها تحتاج إلى قرن كامل من الأعوام حتى تصبح دولة هو الجنرال تومْبلْبايْ الذي لم تقبل به القبائل بحجة أنه من «أهل الصليب»، فقرر الفرنسيون التخلص منه فقُتِل في انقلاب دموي همجي بشع بقي يزور «إنْجمينا» المدينة الجميلة التي تغسل أقدامها يومياً في مياه بحيرتها الصافية فيعركها عرك الرحى بثفالها ويترك جنرالاً يدخل قصر الرئاسة حافياً وبأسمالٍ بالية وممزقة ويخرج منه ممتلىء الجيوب، وهو أحد أهم الزبائن الدائمين لأهم بيوتات الأزياء في مدينة الحضارة والنور وله قصر منيف يجاور قصر فرساي. القمة الإفريقية التي انعقدت في أديس أبابا وصفت إدريس دِيبي بأنه هو «الشرعية» وهدّدت بأن أي خلفٍ له لخير سلفٍ سيُطرد من جنتها، وكان حسين حبري قد وصف إدريس دِيبي بأنه انقلابي وغير شرعي، كما أن عوكوني وداي كان وصف حبري بأنه انقلابي وغير شرعي، ويقيناً لو بقي القائد المحبوب والمحترم من قبل خمسة وثلاثين في المئة من الشعب التشادي تومبلباي على قيد الحياة لادَّعى أن الشرعية معلقة بأهدابه، وأن من انقلب عليه هو الشيطان بعينه، وأنه لص أنظمة ودبٌّ وليس خلقة ربٍ. إن مشكلة تشاد ليست إدريس دِيبي ولا الذي قبله ولا الذي سبقهما، إنها مشكلة الاستعمار الفرنسي الذي ذهب إلى أقاصي الدنيا، حتى إلى فيتنام، باسم منطلقات الثورة الفرنسية وباسم الحضارة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وترك البلدان التي أنعم عليها بنعمة حضارته قاعاً صفصفاً... أقدام أبناء شعبها حافية وثرواتهم منهوبة وقادتهم دُمىً فاسدة ما إن يدفِنَ أحدهم الذي سبقه حتى يأتي دوره ليُدفن هو كما دفن الذي سبقه. وبالطبع ولإرضاء قائد همامٍ مثل بوكاسا فإن عضوية نادي الـ«فرانكوفونية» يتسع لكل أصحاب الصدور المرشومة بالأوسمة من تومبلباي إلى عوكوني إلى حبري إلى إدريس ابن أبيه إلى القادم الجديد... ومن آخرين إلى آخرين إلى الجميع باستثناء السنغال التي لها تجربتها الفريدة، والتي وإن هي بقيت تدور في الدائرة الـ«فرانكفونية» فإنها ومنذ البداية انتشلت نفسها من اقتتال القبائل المتآخية ومن انقلابات الجنرالات الذين يذهبون إلى المحطات الإذاعية بصدور عامرة بالنياشين بينما أقدامهم حافية!لقد كان ليوبولد سنغور، شاعر إفريقيا العظيم هو هبة السنغال، فهو لم يكن مصاباً بداء الدونية تجاه فرنسا التي استعمرت بلاده، ونهبت خيراتها لسنوات طويلة، وهو لم يذهب إلى قصر الرئاسة لا حافي القدمين ولا بنياشين ولا ببزّة عسكرية، لقد ذهب بثقافته ورجاحة عقله وبالمساعدين الأفذاد الذين أرسوا معه دولة مؤسسات بديموقراطية راسخة وتجربة تشبه درة حقيقية في غربي القارة الإفريقية. لم يهبْ الله تشاد رجلاً مثل سنغور بل وهبها تومبلباي وعوكوني وإدريس دِيبي ولذلك فإن قبائلها المتداخلة مع قبائل السودان في صحراء دارفور التي تعوم فوق بحر من النفط، لم تتوقف عن التقاتل والتذابح على لا شيء، بينما الفرنسيون يتفرجون مادام أن كل شيء سيكون في النتيجة لمصلحتهم ولحسابهم. * كاتب وسياسي أردني