Ad

القصور الفكري للجماعات الإسلامية يصور لها أن المسلمين لو حكمهم زعيم واحد تنقاد له الشعوب الإسلامية قاطبة، فإنه سيحقق المعجزات وسيقودهم إلى الانتصارات وسيثأر للمسلمين من الأعداء الأزليين اليهود والنصارى فيسودون العالم ويهيمنون عليه، ولكن هؤلاء لا يقولون لنا: بماذا سيسودون العالم؟ وماذا سيقدمون للبشرية عندما يحكمون؟!

ما عدا تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي، التي حققت نجاحاً متميزاً في مجال التنمية والتطوير والإصلاح وضمنت له الفوز بـ%47 من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة للبرلمان التركي، مما مكنه من تشكيل حكومته والمضي قدماً في برنامجه الإصلاحي وسط ترحيب العالم وإشادة الفاتيكان، وهو ما سهل بعد ذلك وصول عبدالله غول إلى سدة الرئاسة التركية، ومن ثم وصول زوجته المحجبة خير النساء إلى قصر الرئاسة، باعتبارها السيدة المحجبة الأولى بهذا المنصب التي تغزو هذا القصر المحصن ضد الحجاب.

أقول: فيما عدا هذه التجربة الاستثنائية على مستوى الحركات والأحزاب السياسية والإسلامية فإن تلك الجماعات الإسلامية كافة لم تستطع حتى الآن تقديم أي مشروع تنموي ناجح، وفشلت جميعاً فشلاً ذريعاً على مستوى البرامج والخطط التنموية والإصلاحية سواء أكانت في المعارضة أم في الحكم والسلطة: كما في إيران والسودان وأفغانستان (طالبان) وفلسطين (حماس) والصومال (المحاكم) أم شبه دولة (حزب الله)، بل إن هذه الجماعات الدينية وبسبب رؤيتها المنغلقة تجني على شعوبها ومجتمعاتها وتلحق بها الكوارث والنكبات وتتسبب في تردي أوضاعها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، ولم تستطع هذه الجماعات تحقيق أي إنجاز نافع، لا لمجتمعاتها ولا للعالم، لا إبداعاً فكرياً ولا إنجازاً تنموياً ولا سلوكاً راقياً ولا أنظمة أو أساليب حضارية، وذلك بالرغم من صراخها العالي وشعاراتها الكثيرة ومنظريها الذين ينتشرون في وسائل الإعلام كافة ولا يملون من ترديد أننا أصحاب الفضل فيما وصل إليه الغرب وأننا خير أمة وأننا الوارثون للحضارة التي ستنهار قريباً بحسب زعمهم!!

نعم الأمر الوحيد الذي نجحت فيه الجماعات الإسلامية كافة بفصائلها وأطيافها المختلفة، هو استثارة عواطف الجماهير وتملق غرائزها الأولية عبر مخاطبة النوازع البدائية العدوانية فيها بهدف تعبئتها وشحنها ضد الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية بحجة أنها تابعة للغرب وتنفذ مخططات تآمرية ضدها وأيضاً زرع الكراهية والعداء للحضارة المعاصرة بذريعة أنها حضارة معادية صليبية حاقدة على الإسلام والمسلمين يجب مواجهة عدوانيتها بالوسائل كافة بما فيها القنابل البشرية، باعتبار أننا لا نملك غيرها، كما صرح مرة وفي خطاب جامع أحد الرموز الدينية الكبيرة عندما قال: (إذا كان الغرب يملك القنابل الذرية فنحن نملك القنابل البشرية)!!

والسؤال الآن: لماذا فشلت الجماعات الإسلامية في أطروحاتها كافة معارضة وسلطة؟! لماذا كان الإخفاق والبؤس والفاقة هي الثمار المريرة لوصول تلك الجماعات الى السلطة؟ لماذا فشلت تلك الجماعات حتى في ميادينها المفضلة وهي (النضال والجهاد والمقاومة) ولم تحرز أرضاً قط ولم تستطع حتى أن ترد عدوانا أو تحم وطنا أو مواطناً وتجنبهما الدمار والخراب والدماء؟!

العلة الأساسية المزمنة التي تحكم تصورات ورؤى هذه الجماعات هي: مرجعية (الماضي) لا (المستقبل) حيث تتصور تلك الجماعات أن الماضي كان مجيداً مزدهراً في ظل حكم (الخلافة) الإسلامية - ذلك النمط من الحكم السياسي الذي يجمع فيه (الخليفة) السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية كلها - (الخلافة) حلم الحركات الإسلامية جميعها بدءاً من (الإخوان المسلمين) وانتهاءً بحزب (التحرير). والجماعات والأحزاب الإسلامية كافة أسيرة هذا الحلم التاريخي ومحكومة به تنطلق منه وتصدر عنه وتبشر به باعتباره هو (الحل المثالي المنشود) لقضايا المسلمين كلها. القصور الفكري لهذه الجماعات يصور لها أن المسلمين لو حكمهم زعيم واحد تنقاد له الشعوب الإسلامية قاطبة، فإنه سيحقق المعجزات وسيقودهم الى الانتصارات وسيثأر للمسلمين من الأعداء الأزليين اليهود والنصارى فيسودون العالم ويهيمنون عليه، ولكن هؤلاء لا يقولون لنا: بماذا سيسودون العالم؟ وماذا سيقدمون للبشرية عندما يحكمون؟! وهب أننا وجدنا هذا الزعيم الخارق، ما الضمان أنه لا يقودنا إلى الهاوية كما قادنا من قبل الزعماء الأبطال الذين قادونا إلى الهزائم المنكرة؟! هل حقيقة كان الماضي في ظل (الخليفة) مجيداً مزدهراً كما يصورون ويبشرون أم أن ذلك من جملة الأوهام التي تكرست عبر الخطاب والتعليم الديني في الذهنية العربية والإسلامية كنوع من خداع الذات تعويضاً عن العجز والإحباط؟! حقائق التاريخ - بعيداً عن العاطفة - تقول إن المسلمين ومن بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام سرعان ما اختلفوا وتفرقوا وتصارعوا صراعاً مسلحاً على السلطة والحكم ولم يتفقوا حتى يومنا هذا على أسلوب حضاري سلمي ديموقراطي لإدارة الشأن السياسي العام، وعلى امتداد (14) قرناً كان الحكم للسيف (المتغلب)، وكانت السلطة من حق (الأقوى)، وكانت الهزيمة والخذلان والمذلة من نصيب (الأضعف). وللمرء أن يدهش من قدرة بعضهم على تحريف وتزوير الحقائق التاريخية خدمة للأيديولوجيه الدينية. مع أن الثابت والمتحقق أن الجهل والخرافات والصراعات الدموية والمجازر والضعف والتفرقة هي الحصيلة لأكثر من (11) قرناً من حكم (الخلافة). ولم تحقق أي دولة اسلامية في ظل الخلافة (العدالة) أو (المساواة) ولم تسمح بالمعارضة ولا حقوق الإنسان، بل كان المسلم (العادي)، فلاحاً أو عاملاً أجيراً أو تاجراً، مهمشاً محروماً من إبداء الرأي أو المشاركة في أي شأن عام خاصة (السياسة)، وكان يُضرب ويُجلد لدفع الجباية من أجل أن يستمتع (خليفة) المسلمين وينعم بقصوره وجواريه ذوات الألف عدداً. لكن الأكثر دهشة وغرابة هو قدرة حزب (التحرير)، وهو حزب أسسه الفلسطيني النبهاني عام (1953) وينادي بإحياء الخلافة - على تجميع أكثر من (80) ألف شخص في مهرجان حاشد في - جاكرتا - تحت شعار (حان الوقت لإقامة حكم الخلاقة) وكان قرابة (10) آلاف فلسطيني تجمعوا في الضفة قبل أسابيع إحياء للذكرى السنوية لهدم الخلافة على يد (أتاتورك) في (28) رجب من كل عام. وفي الكويت تم القبض والتحقيق مع بعض عناصر الحزب بمناسبة احتفالهم بهذه الذكرى. أي (خلافة) يريدون إحياءها!

ويريدون دعوة الناس إليها؟! أي (عقل) أو (منطق) يتصور امكان عودة (الخلافة) في عالم اليوم؟! وما جدواها وفاعليتها؟! إن (الخلافة) أصبحت في ذمة التاريخ ولن تعود أبداً، ولو عادت لن تصلح لأوضاعنا، ولنحمد الله جميعاً أننا لا نعيش في عصر الخلافة وإلا لما ذقنا طعم (الحرية) أو (العدالة) مطلقاً!!.

* كاتب قطري