الجدل المحتدم حالياً بين الفلسطينيين، على خلفية انقلاب غزة الأخير، حول الشرعية والدستور وحول ما يَحِقُّ ولا يحقُّ، ليس سببه الأساسي حركة «حماس»، بل حركة «فتح»، فالمجلس التشريعي الذي كان قائماً قبل الانتخابات الأخيرة، التي جاءت بحــركة المقاومة الإسلامية، والذي أعضاؤه كلهم كانوا من «الفتحاويين»، هو الذي وضع كل هذه القيود المربكة وكان الهدف محاصرة «فردية» ياسر عرفات والتقليل من سطوته وهيمنته.
لأن (أبو عمار) بقي يتصرف حتى بعد نحو عشرة أعوام من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، التي قامت استناداً إلى اتفاقيات «أوسلو» 1993 المعروفة، كما كان يتصرف عندما كانت «جمهورية الفاكهاني» في بيروت الغربية لاتزال قائمة بصيغة ما قبل الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، فقد لجأ المتضررون في حركة «فتح» إلى المجلس التشريعي الذي كانوا يسيطرون عليه الى سنِّ سلسلة من القوانين والأنظمة المتشددة التي ورثها محمود عباس والتي تكبل يديه وتحدُّ من مرونة حركته، ويومها لم يكن هؤلاء يعتقدون أن الحبال التي صنعوها سوف تقيِّد أيديهم. لم يكن أعضاء حركة «فتح» في المجلس التشريعي يعتقدون أنهم سيتحولون من أكثرية مطلقة في هذا المجلس إلى أقلية، وهم ما كانوا يضعون في حساباتهم أن يوماً قريباً سيأتي سيرحل فيه ياسر عرفات وستتغير فيه المعادلة الفلسطينية وستنـزع حركة «حماس» من أيديهم مواقع كانوا يظنون أنها خالدة مخلدة لهم والى الأبد. كل هذا فعله أعضاء حركة «فتح» في المجلس التشريعي بأيديهم وهذا ينطبق عليه القول القائل: «يداك أوكتا وفوك نفخ»، فالقرارات الرئيسية في هذا المجلس بأغلبية الثلثين والرئيس، رئيس السلطة الوطنية، إن هو حلَّ الحكومة القائمة لسبب من الأسباب فإن عليه أن يعود الى المجلس المذكور، ثم إن هو أراد الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، فإن عليه أن يلجأ إلى الاستفتاء، والاستفتاء بحاجة الى قرار من «التشريعي»... وهكذا في دائرة مغلقة لا نهاية لها. لقد كان على محمود عباس (أبو مازن) بعد أن قامت «حماس» بالانقلاب العسكري الذي قامت به أن يحل حكومة إسماعيل هنية، التي سُميِّت حكومة الوحدة الوطنية من قبيل رشِّ السُّكرِ على الموت ومن قبيل إغماض العيون عن الانقسامات المتفاقمة، وأن يشكل حكومة جديدة غدت بحكم الأمر الواقع حكومة الضفة الغربية، بينما الحكومة السابقة التي ترفض الحكومة الجديدة ولا تعترف بقرار «الحل» الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني غدت حكومة قطاع غزة. إن (أبو مازن)، الذي وجد نفسه مكبلاً بالقيود التي وضعها المجلس التشريعي السابق لتطويق «فردية» ياسر عرفات والحد منها، وجد أنه بات مضطراً إلى اتخاذ قرارات قد تعتبر غير دستورية، من بينها تعليق بعض بنود الدستور وتجاوز المجلس التشريعي في أمور كثيرة وعدم إجراء استفتاء عام لإجراء انتخابات جديدة في الفترة المنصوص عليها في هذا الدستور. إنه وضع «أعقد من ذنب الضَّب»، فالشرعية هي لمنظمة التحرير، والمجلس التشريعي جزءٌ من المجلس الوطني، والسلطة الوطنية بحكومتها وأجهزتها ومؤسساتها تخضع لإشراف اللجنة التنفيذية لهذه المنظمة، ولذلك فإن حكومة غزة، التي هي حكومة «حماس»، لا تعتبر شرعية لأن «حماس» لا تعترف بالمنظمة ولا بتمثيلها للشعب الفلسطيني، ولأنها ليست جزءاً منها بالأساس وترفض الانضمام إليها! كاتب وسياسي أردني
مقالات
يداك أوكتا وفوك نفخ!
09-07-2007