Ad

إنه الاختبار الأهم الذي لم يتجاوزه بعد أحمدي نجاد! وهو الاختبار الذي يتوقع له أن يشتد صعوبة وقساوة كلما اقتربنا من الاستحقاق الانتخابي المهم المقبل لإيران أي الانتخابات التشريعية في مارس المقبل، وهو ليس اختباراً لأحمدي نجاد وفريق المحافظين الجدد وفريق المحافظين التقليديين فحسب، بل سيكون اختباراً للجميع أي لإيران كلها، إيران بأجيالها الثلاثة.

ثمة إجماع يكبر مع الأيام في إيران، ولكن بعيداً عن الأنظار مفاده أن زمن «الإلغاء» للآخر محلياً كما إقليمياً كما دولياً، قد ولى! وإذا كان بعض السياسيين «المحليين» سواء من أصحاب النظرة الضيقة أو من «حديثي النعمة» في عالم العمل السياسي لايزالون يمارسون هذه اللعبة، فإنهم رغم إقبال الزمان عليهم فإن لعبتهم هذه لا تجد جاذبية في المشهد الإيراني العام حتى لو بدا صوتهم مرتفعاً أو بدت عصاهم غليظة لبعض الوقت!

فإذا كان صحيحاً أن الطبقة السياسية التقليدية الإيرانية قد خسرت آخر المعارك الانتخابية الكبرى أي معركة انتخابات الرئاسة لمصلحة الجيل الثالث من الشباب الثوري المتحمس، بسبب ترهل العديد من قياداتها أو استرخائها أمام «هجمة» الخارج، مما فتح المجال أمام ورود دماء جديدة من شاكلة الدكتور أحمدي نجاد إلى سدة الحكم، وبالتالي ورود جيله إلى مطبخ صناعة القرار الإيراني باندفاعة ملفتة!

وصحيح أيضاً أن تجربة هذا الجيل الجديد في عالم السياسة، ورغم كل الدعم الذي يلقاه من القيادة العليا بسبب «نقائه الثوري» الذي تحتاجه القيادة في معاركها الخارجية الكبرى، لم تنضج بعد بما يعطي الاطمئنان الكافي للداخل على الأقل، وأن رجالاته لا يزالون تحت الاختبار، بل إن بعضهم «يحبو» في مجالات عديدة، وهو يثبت مع كل يوم يمر بأنه أحوج ما يكون إلى تراكم خبرة الكبار وإلى مقولة ضرورة تواصل الأجيال!

هذا التدافع بين الأجيال الثلاثة للثورة الذي يجري على مستويات مختلفة في بطن النسيج الاجتماعي الإيراني، هو الذي جعل ولايزال تجربة ولوج أحمدي نجاد الى سدة الرئاسة بما يشبه المفاجأة غير المتوقعة حتى من أكثر المتمرسين في العمل السياسي المحلي في ايران، محل جدل واسع هنا في الداخل كما هي محل انبهار وترقب في الخارج! تماماً كما كانت تجربة «تسلل» الدكتور محمد خاتمي رجل الدين الإصلاحي من الجيل الثاني إلى سدة الرئاسة ومطبخ صناعة القرار في نهاية تسعينيات القرن الماضي، محل جدل داخلي واسع وانبهار خارجي، وإن من نوع مختلف!

وإذا كان أحمدي نجاد قد ربح الداخل والخارج الشعبيين، على الأقل، في «القيامتين»؛ القومية، والدينية التي استطاع هو وحواريوه وداعموه أن يؤسسوا لهما في معاركهم الخارجية الكبرى ضد الاستكبار الأميركي ومشروعه المشؤوم المعروف «بالشرق الأوسط الجديد»، وأنه استطاع تجاوز الاختبار في هذا المجال، إلا أن الآراء اليوم حول أدائه الداخلي لاسيما في الحقل الاقتصادي تبدو متضاربة إلى حد كبير بما يجعلها أشبه بالزاوية المنفرجة في الرأي والرأي المضاد!

فثمة حلفاء أساسيون له انسحبوا من جبهته مبكراً حتى قبل أن يكمل سنته الأولى، وهناك من حوارييه مَن انسحب من معسكره الضيق وقرر أن يشكل تجمعاً أو طيفاً جديداً، وثمة آخرين ممن ينتمون إلى طيفه المحافظ مَن قرروا الابتعاد عنه وعدم تبني كل طروحاته لاسيما الاقتصادية منها بالرغم من دعمهم إياه في المعارك الكبرى الداخلية والخارجية، واليوم يأتي انسحاب أو «استقالة» اثنين من وزرائه الاقتصاديين- النفط والصناعة- بالرغم من كونهما ليسوا من»حوارييه»، ليجعلوا هذا الطيف الواسع من المختلفين حوله يصل إلى مداه الأوسع في إثارته للجدل!

إنه الاختبار الأهم الذي لم يتجاوزه بعد أحمدي نجاد! وهو الاختبار الذي يتوقع له أن يشتد صعوبة وقساوة كلما اقتربنا من الاستحقاق الانتخابي المهم المقبل لإيران أي الانتخابات التشريعية في مارس المقبل.

لكن الاختبار، هذه المرة، لن يكون لأحمدي نجاد وحده ولا لمعسكره الضيق المعروف مجازاً بالمحافظين الجدد، ولا العريض المعروف بالمحافظين التقليديين، فضلاً عن الإصلاحيين الذين لم يقدموا إسهاماً مهماً في هذا المضمار، بل سيكون اختباراً للجميع أي لإيران كلها، إيران بأجيالها الثلاثة، بل إيران المستقبل كل إيران!

وهنا قد يكتب للتجربة الإيرانية بمُرها وحلوها أنها لاتزال تحتضن الأجيال جميعها، ولم تنزلق بعد إلى خطر إلغاء طرف لمصلحة آخر، رغم خطورة الاختبارات التي مرت ولاتزال تمر بها!

 

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني