Ad

من يقول لي إن المسألة برمتها ليست ضحكاً على الذقون، وإن النواب حين وجدوا الحكومة تعيد مشروع إسقاط القروض إلى اللجنة المالية، لم يفعلوا هذا إلا من أجل دغدغة مشاعر ناخبيهم، من خلال إيهامهم بأنهم حققوا نصراً لهم بالموافقة على زيادة الخمسين ديناراً؟

من باب إحسان الظن وعلى سبيل محاولة إيجاد العذر، حاولت خلال الأيام الماضية أن أجد تفسيراً موضوعياً لموافقة أغلبية أعضاء البرلمان على زيادة العلاوة الاجتماعية خمسين دينارا، فعجزت، ليثبت لي وبالدليل «الصارخ» أن برلماننا الموقر غارق حتى أذنيه في مستنقع التخبط، بل ضائع لآلاف الأميال في صحراء التيه، والمصيبة ان ذلك يحصل عن سبق الإصرار والترصد!

ما أعلنته الحكومة هو أنها ستقوم بمراجعة جميع رواتب الموظفين بالاستعانة بخبراء من البنك الدولي، وأن الزيادات ستعلن أواخر شهر فبراير، وكذلك ان كوادر الأطباء وموظفي القطاع النفطي والجوية الكويتية والتي أقرتها سابقاً، وإن كانت أوقفتها حتى تنتهي من المراجعة الشاملة، لن تمس لأنها قد روجعت سابقاً وأقرت على هذا الأساس. وبعيداً عن تشككي في قدرة الحكومة، فضلا عن مصداقيتها، في تحقيق وعدها هذا خلال هذا الوقت القصير جداً، إلا أنني رأيت نواب البرلمان يوافقون عليه ولا يعترضون، بل خرج أغلبهم في الصحف مشيدين مهللين مباركين من دون أي تحفظ أو اعتراض على الموعد القريب الذي ضربته الحكومة، لذلك فلست أفهم على الإطلاق ما هو تبرير موافقتهم اليوم على زيادة الخمسين ديناراً والتي ستكبد ميزانية الدولة مئات الملايين من الدنانير شهريا تُرمى هكذا في البحر، من دون أي دراسة اقتصادية أو سند من عقل أو منطق؟!

من يقول لي إن المسألة برمتها ليست ضحكاً على الذقون، وإن النواب حين وجدوا الحكومة تعيد مشروع إسقاط القروض إلى اللجنة المالية، لم يفعلوا هذا إلا من أجل دغدغة مشاعر ناخبيهم، من خلال إيهامهم بأنهم حققوا نصراً لهم بالموافقة على زيادة الخمسين ديناراً؟

إنها والله مسرحية هزلية كبرى ضحيتها الأولى المواطن المسكين الذي تسحقه رحى الغلاء وارتفاع تكلفة المعيشة. يراهم وهم يخدعونه بإقرار زيادة لا تذكر ولن تفيده بشيء في ظل هذا الواقع المعيشي المنفلت بلا ضوابط، ويوهمونه بأن الشر، كل الشر يأتي من جهة الحكومة، في حين انه إن كانت الحكومة قد قامت بتأليف المسرحية ورسمت الأدوار وجهزت المسرح، فإنهم هم أبرز الممثلين اللاعبين في هذه المسرحية السقيمة!

هذا البرلمان المضطرب هو النتيجة الحتمية والإفراز المباشر لانتخاباتنا الفردية المضطربة القائمة على عوامل الفئوية والقبلية والطائفية، والبعيدة كل البعد عن برامج العمل والرؤية السياسية الصحيحة. لذلك فانتخابات كهذه، ستعطينا حتما هكذا نواب، وسيشكلون بلا شك برلمانا كهذا يوردنا المهالك!

الحمد لله ان الحكومة أعلنت أنها سترفض موافقة البرلمان على زيادة الخمسين ديناراً وستردها عليه، لأنها لو وافقت على هذه الخديعة الكبرى لكانت وصمة عار سوداء في جبين البرلمان، ومقلباً ساخناً يشربه المواطن المسكين، يضاف إلى قائمة المقالب التي شربها خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أغلبها كانت على يد نوابه المحترمين!