خذ وخل: الألفبائية السياسية للأطفال 1 - 2

نشر في 30-03-2008
آخر تحديث 30-03-2008 | 00:00
 سليمان الفهد احترت بما أجيب حفيدي الذي فاجأني بأسئلة شتى، تتمحور حول المصطلحات السياسية والفكرية التي يسمعها من الكبار ليلاً ونهاراً! على حين غرة داهمني بسؤال عن ماهية الديموقراطية: «شنو معنى الديموقراطية... بابا جدوا؟!». عنّ لي بداية التأسي بالإمام مالك درءاً للتورط، أو أن أهرف بما لا أعرف، فأقول مقولته الشهيرة: من قال لا أعرف فقد أفتى. لكني خشيت على اهتزاز صورة الجد الحكيم، الذي يظنه الحفيد يملك جراب الحاوي العامر بالأجوبة على كل ما يعنّ له من علامات تعجب واستفهام ودهشة وفضول عارم لا ينضب أبداً! لذا وجدتني أقول له، بعد أن «هرشت» مخي ومسدت لحيتي أو حليتي لا فرق، وتنحنحت مراراً، فقلت له بعد لأي: شوف يا كبدي التي تدرج على الأرض، ألا ترانا في البيت: أحفاداً وأولاداً وآباءً وجدوداً نزأر بآرائنا المتباينة حول شأن عام أو عائلي، بحرية تامة لا يشوبها قمع ولا مصادرة؟ قال: نعم هذا صحيح لا مراء فيه، لكن البابا جدو يسمح لنا بالهذرة في كل شيء، وبعد ذلك يستأثر باتخاذ القرار وحده! قاطعته -محتداً- لأ وأنت الصادق، لست أنا صاحب القرار لأنه بيد الحكومة الرشيقة جدتك الحنون، وهذه هي الديموقراطية الكويتية! قال: وأنت ما دورك؟ أفحمني الولد المدجج بالفضول، فقلت له: أنا كالمبخر الذي يتصدر المجلس عابقاً بعطر الوحدة الوطنية. قال: ولمَ لا تكون أنت الرئيس بدلا من جدتي؟! هممت بأن أريه العين الحمراء لسي السيد إياها، لكني استعنت بالله واستعذت به من بلية الدكتاتورية، فقلت له: إن تداول السلطة وتناوبها من أصول الديموقراطية الحميدة، حسبك دليلاً على ما نوهت به آنفاً، التأمل والبحلقة في الحكمة البليغة التي تزين قصر الإمارة في السيف: «لو دامت لك... ما اتصلت إليك» لكي تدرك أن عمليتي التداول والتناوب إرث خلّفه لنا الأجداد، وحري بنا تجذيره وإثراءه والعض عليه بالنواجذ! قال: بس هذا التداول يبدو لي كما الأواني المستطرقة، ويشبه القولة الشعبية «صبّه، خضّه، حقنه... لبن» لأنه محصور بالأجداد فقط لا غير!

قال: والدهشة «تنط» من عينيه -علامَ هذه الضجة والمظاهرات والقنابل الصوتية وأختها المسيلة للدموع، بشأن الانتخابات الفرعية؟! قلت له، وأنا أبلع ريق الحرج، إن الانتخابات الفرعية تصادر حق المواطن في الاختيار الحر، وتفرغها من معناها باسم الحمية القبلية! قلتها له بنبرة خطابية حماسية مناسبة للمقال! سكت قليلاً حسبته سيكف عن الأسئلة، لكنه بادرني بسين حادة قائلاً: ما معنى الديكتا.. ثور؟! أجبته بسرعة: رحت بعيداً يا ولداه، فاسمه هو: الدكتاتور لا كما نعته بالديكتا.. ثور! لأن الأخير لا ولن يقبل بهذا التشبيه! الشاهد أن الدكتاتور يشبه جدتك التي تستأثر بالقرار، وتحكم الدار بالحديد والنار، وتحيل كل من حولها إلى أصفار على اليسار «لا يهشون ولا ينشون»، وما خفي أنكأ وأزفت وألعن! ويبدو أن هذه الإشارة إلى جدته ووصمها بالدكتاتورية أثارت حفيظته لأنه يحبها حبا جماً، لذا بادرني «النرفزة» قائلاً: وأنت... ألست دكتاتوراً كما جدتي؟! قلت بلى.. فقد كنت كذلك! لكني الآن دكتاتور متقاعد قال: وهل يتقاعد الدكتاتور؟! لأ طبعاً... اللهم إلا إذا أقعده المرض العضال والشيخوخة وانتهاء العمر الافتراضي، كما حدث مع الرئيس كاسترو دي كوبا! حسبته بلع خذرفتي الآنفة الذكر، وهضمها هنيئاً مريئاً، لكني فوجئت به يغص بها، فاضطررت إلى ضربة على ظهره بجامع كفي «يمع»، معتبراً أفضى به إلى لفظها متدحرجة على الأرض لا تريم! ولم ألمْهُ، بدعوى أن الذي يصلح لنا، ليس مناسباً -بالضرورة- لأحفادنا. ولم يكف عن الهتاف بالأسئلة، ولا عجب في ذلك، لأنه مثل بني جيله: سؤال يمشي على الأرض، يلوك السين كما يجتر عمنا البعير زاده! فالسؤال زاده وزواده، تراه يلوكه كما «العلكة واللبان» في كل حين ومكان! من هنا اقتحمني بسؤال عن الدوائر الخمس التي «ناضلنا» وأقمنا الدنيا لإقرارها، ما هو خبرها؟ أجبته -حاداً- «لا خبر لا حامض حلو لا شربت!» قاطعني -ممازحاً- كأنك ناوي تغني لا سمح الله! قلت -متجاهلا ممازحته- إن الدوائر كانت 25 دائرة ارتأى القوم إجراء تنزيلات عليها فصارت خمس دوائر فقط لاغير! فتبسم ضاحكاً، وقال: تنزيلات؟! استدركت بسرعة قائلاً: أعني تنازلات! قاطعني الشقي: «ارسَ لك على بر أو سِيف: تنزيلات أم تنازلات؟! أجبته: أيّاً كان الأمر فالدوائر الخمس قد تكون أنسب لنا، وإن كنت أتمنى لو أن هذه الأخيرة تطولها التنزيلات لتكون دائرة واحدة توحد الله سبحانه، حيث الكل في واحد. كشّر عن أنياب الأسئلة...

back to top