Ad

عندما نُقلت د.معصومة إلى وزارة الصحة، لم تكن الوزارة موفورة الصحة، بل سقيمة بالأمراض المزمنة التي طرحت أكثر من وزير صحة سابق أرضاً، وأخرجته من عالم السياسة من فوق منصة الاستجواب الشهيرة. وما كانت د.معصومة بالطبع تجهل هذا.

د. معصومة المبارك هي الكويتية الأولى التي دخلت عالم السياسة بشكل رسمي بعد سنوات طوال من حرمان النساء في الكويت من حقوقهن السياسية. دخلت كوزيرة للتخطيط والتنمية الإدارية، وخلال أشهر بسيطة أُعيد تشكيل الحكومة فأسندت إليها حقيبة وزارة المواصلات لتقبلها دون تردد، وبعد أشهر قليلة أخرى انفرط عقد الحكومة مجدداً، وأعيد تشكيلها، وجاء الأمر بنقلها إلى وزارة الصحة، لتنتقل دون تلكؤ.

واليوم وبعد ستمائة وسبعة وعشرين يوما قضتها في التنقل المرن بين ثلاث وزارات مختلفة تماماً عن بعضها البعض، يمكن لنا أن نقول إن د.معصومة بقيت محافظة على أن يبقى إنجازها الوحيد في هذه المسيرة هو أنها «المرأة الكويتية الأولى التي دخلت عالم السياسة بشكل رسمي»!

خلال هذه الفترة المهمة من عمر د.معصومة المبارك أثبتت أنها حجر مطواع على رقعة الشطرنج الحكومية، تماماً مثل وزير الشطرنج، ذلك الحجر الديناميكي القابل للتحريك في كل الاتجاهات من أول الرقعة إلى آخرها، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، عموديا وأفقيا وبشكل مائل. تحركت بسلاسة من وزارة التخطيط إلى المواصلات ثم إلى الصحة، ولو كتب الله لها، أو عليها، البقاء في الفريق الحكومي فلا أظنها ستتردد في الانتقال إلى الإعلام بحجة أنه ليس أقدر من المرأة على الإعلام والتعبير أو «الأشغال»، لأن المرأة شغولة جداً، أو ربما «الشؤون» لأنها قادرة على مراعاة «شؤون» الآخرين، أو حتى «الكهرباء والماء» فالمرأة رشيدة مقتصدة بطبعها، ونحن في زمن «الترشيد»، أو ربما «الأوقاف والعدل»، فليس أطيب ولا أعدل من المرأة، وبالنهاية في الوزارات كلها خير، والوزير عندنا وزير بقلبه وروحه وإحساسه في أي موقع كان، حتى ولو كان وزيراً بلا وزارة، وأما المسميات والتخصصات فهذا من قبيل التفاصيل غير الأساسية الذي لا يخل بالمبدأ!

اليوم، وبعد حقيبتين وزاريتين مرتا بهدوء، ودون أي منعطفات حادة تذكر في مسيرة د.معصومة، ها هي تواجه في حقيبتها الوزارية الثالثة، منعطف المنعطفات ومواجهة المواجهات، أو لنسمها أم المعارك السياسية النسوية!

عندما نقلت د.معصومة إلى وزارة الصحة، لم تكن الوزارة موفورة الصحة، بل سقيمة بالأمراض المزمنة التي طرحت أكثر من وزير صحة سابق أرضاً، وأخرجته من عالم السياسة من فوق منصة الاستجواب الشهيرة. وما كانت د.معصومة بالطبع تجهل هذا.

واستمرت الحالة الصحية في اكتساب مزيد من الأوجاع والجراح المتقيحة دونما علاج يذكر، واستمرت معها ملفات النواب الراصدين باكتساب المزيد من الوثائق والأدلة على سوء الوضع الصحي وفساده، حتى جاءت ليلة البارحة بالشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالحريق، الذي شب في مستشفى الجهراء في يوم الخميس الماضي، ليكشف عن ضعف الاستعدادات لمثل هذه الحالات الطارئة وليفضح هشاشة البنى التحتية للمستشفيات الحكومية، قد جاء على طبق من ذهب للنواب الذين كانوا يتوعدون الوزيرة بالاستجواب، وهيأ لهم إسناداً شعبياً واسعاً.

فاليوم ها هي د.معصومة، بعد استقالتها، يتبين انها وقفت أمام خيارين؛ فإما أن تقرر المضي قدماً في مواجهة الاستجواب، كما فعل ذلك قبلها عشرات الوزراء، لتكتشف آنذاك، فداحة خطئها حين تنتهي إلى أن تصبح «الوزيرة الكويتية الأولى التي طُرحت عنها الثقة»، وإما أن تسارع إلى الاستقالة - وهو ما اقدمت عليه- بهدف إنقاذ نفسها والخروج بشرف الإنجاز الوحيد الذي حصلت عليه من هذه المسيرة، وهو أنها كانت «المرأة الكويتية الأولى التي دخلت عالم السياسة بشكل رسمي!»