Ad

إن كل ما يقال عن حوار متقدم بين «فتح» و«حماس» غير صحيح على الإطلاق، فالوضع باقٍ على ما كان عليه وربما أسوأ، وإنّ وصف أحد مساعدي الرئيس الفلسطيني لهذا الحــوار عندما سُئل بأنه «كلام فارغ» يلخص حقيقة كل ما هو جارٍ، ويشير إلى أنه قد تكون هناك بعض التهدئة.

لأن حسابات «حماس» كلّها كانت غير صحيحة وثبت أنها خاطئة، فإنها بعد أن وجــدت نفسها في هذا الوضع المزري بدأت «تدبُّ» الصوت، وأخذت تستعطف محمود عباس (أبو مازن)، الذي لم تترك تهمة إلا ألصقتها به بعد انقلابها المشين في غزة، بأن يقبل بمحاورتها وأن يتعامل معها على طريقة معاملة الأب الحنون لابنه الطائش، أي على أساس «عفا الله عما سلف» ويجب فتح صفحة جديدة.

وبالطبع فإن خالد مشعل، الذي منعته اللعبة الإقليمية الجديدة مـــن الذهاب إلى طهران، عاصمة «فسطاط الممانعة»، والذي زغرد له حتى التوى لسانه، لعقد المؤتمر المضاد لمـؤتمر «أنابوليس» الذي منعت سورية عقده في دمشق، حاول أن يبدو متماسكاً، وهو يطلق التصريحات التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض ودعا إلى حوار مع «فتح» من دون شروط مسبقة.

لقد شعر خالد مشعل بأن كل المشروع، الذي راهن عليه عندما قامت «حماس» بانقلابها العسكري في غزة في نحو منتصف يونيو الماضي، قد بدأ ينهار، فدمشق ضيّقت الخناق عليه حتى حدود الاختناق والعواصم العربية التي حاول الاستفادة من «طيبة قلبها» أغلقت الأبواب في وجهه، وإيران التي بدأت تسيل المياه من تحت أقدامها لم تعد متحمّسة لمشروعها السياسي داخل الساحة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الذي اختار حركة المقاومة الإسلامية في آخر انتخابات تشريعية وجد أن وضعه أصبح كوضع من هرب من تحت «الدَّلْفِ إلى تحت المزراب».

ولذلك فإنه انتقل من خنادق التهديد والوعيد وهزِّ قبضته عالياً أمام أنف محمود عباس وأمام أنف منظمة التحرير وحركة «فتح» إلى خنادق التذلّل والاستعطاف للقبول بالحوار الذي كان يرفضه والقبول بعودته إلى بيت الطاعة الفلسطيني ولكن بشيء مـن الكرامة وحفظ ماء الوجه.

إن حسابات البيدر بالنسبة لحركة «حماس» لم تتطابق مع حسابات الحقل، فحلفاؤها خارج الساحة الفلسطينية تخلّوا عنها قبل أن يصيح الديك، وغزة تحوّلت من الجنّة الموعودة التي حلم بها الغزاويون يوم قام خالد مشعل بانقلابه الدموي إلى «غيتو» محاصر من البر والبحر والجو، وفوق كل هذا فإن القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الانقلابية تزرع الرعب والخوف في كل أركانه.

ولذلك ولأن محمود عباس يعرف هذا تمام المعرفة ولأنه لا يمكن أن يرتكب حماقة وضع القيود الحماسية في يديه ورجليه، وهو يدخل «ماراثون» المفاوضات الشاقة مع الإسرائيليين وفقاً لما تم الاتفاق عليه في «أنابوليس» فإنه واجــه استغاثات خالد مشعل بشروطه السابقة نفسها «عليكم أولاً أن تتراجعوا عن انقلابكم وأن تعتذروا للشعب الفلسطيني وعليكم أن تلتزموا بكل مواقف وتوجهات منظمة التحـرير، وعليكم فوق هذا كله أن تقبلوا بالاحتكام إلى انتخابات تشريعية مبكرة».

وبهذا فإن كل ما يقال عن حوار متقدم بين «فتح» و«حماس» غير صحيح على الإطلاق، فالوضع باقٍ على ما كان عليه وربما أسوأ، وهنا فإن وصف أحد مساعدي الرئيس الفلسطيني لهذا الحــوار عندما سُئل بأنه «كلام فارغ» يلخص حقيقة كل ما هو جارٍ، ويشير إلى أنه قد تكون هناك بعض التهدئة، أما أن تعود المياه إلى مجاريها فإن الكلام مبكر عنه بثقة ويقين!!

* كاتب وسياسي أردني